رأي

إتفاق جميل به عيب كبيـــر

الاتفاق السياسي الإطاري الذي تم توقيعه اليوم (5/12/2022) خطوة إيجابية كبيرة إلى الأمام لأنه فتح الأفق وأنهى الجمود وحالة الانسداد ومتوقع أن يؤدي إلى (تنفيس) حالة التوتر السياسي بدرجة كبيرة. غير أنه يحتاج لمعالجة بعض العيوب فيه، وهذه المعالجة جعلها الإتفاق ممكنة من خلال أنه ليس إتفاقا نهائيا وأنه أشار في فقرته الأخيرة إلى أن “يتم تطوير الاتفاق الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة … وقوى الثورة ..”إلخ.

لكن أكبر عيب في هذا الاتفاق أنه أسقط كلمة “مستقلة” عند الحديث عن تشكيل الحكومة من “كفاءات” حيث جاء ذلك في عبارة “كفاءات وطنية”!! – وهل هنالك كفاءات (غير وطنية) تتشكل منها حكومة حتى نؤكد ما هو مؤكد أو بديهي؟!

إن إسقاط كلمة “مستقلة” سوف يعيد إنتاج الأزمة التي عانت منها حكومة حمدوك فأصابها ما أصابها من صراعات وضعف بسبب تلك المحاصصات التي تشكلت بها الحكومة الانتقالية. استبعاد كلمة “مستقلة” تعني عودة المحاصصات على حسب الكفاءة وعلى حساب انسجام الجهاز التنفيذي مما يعود بنا إلى العوامل ذاتها التي أثـرت سلباً على حكومة حمدوك؛ فلماذا لا نتعظ؟!

من عيوب أطراف الاتفاق الإطاري أنهم أهملوا شريحتين مهمتين في عملية إعداد الاتفاق هما: العلماء وممثلي الشارع – أي مناديب عن تنسيقيات لجان المقاومة. مشاركة ممثلين عن تنسيقيات لجان المقاومة يُعطى للإتفاق الشرعية لأنهم يمثلون الشارع والشعب (الأغلبية الصامتة) وهي مشاركة أهم من مشاركة “أصحاب المناصب”! كما أن هذه اللجان لديها ميثاق “تأسيس سلطة الشعب” والذي يتضمن بنوداً يعالج فيها قضايا جوهرية بنصوص واضحة ودقيقة – لا سيما في ما يتعلق بالعدالة والعدالة الانتقالية (المادة رابعاً). فهؤلاء يجب إشراكهم في عملية تطوير الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي. وضروري أن يتم ذلك قبل تشكيل الحكومة الانتقالية (البرلمان ومجلس الوزراء وحكام الولايات والمفوضيات).

اشتمل الاتفاق على إيجابيات كثيرة على سبيل المثال: إزالة تمكين نظام 30 يونيو 1989 وتفكيك مفاصله، ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، قومية ومهنية واحترافية كل القوات النظامية وعدم ممارستها لأية أعمال استثمارية أو تجارية باستثناء الصناعات المتعلقة بالتصنيع الحربي، وجهاز الأمن والمخابرات يختاره رئيس الوزراء هو جهاز لجمع المعلومات ولا يتمتع بسلطة الاعتقال؛ ودمج الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح في الجيش… وغيرها من الإيجابيات الكبيرة.

أما إشراك العلماء والخبراء في عملية تطوير الاتفاق فهو أمر مهم لتدارك السلبيات؛ وأشير إلى أن “تجمع الأكاديميين والباحثين والخبراء السودانيين” يستطيع تزويدكم بالمعايير الموضوعية والمنهج السليم لتطبيق مثل هذه الاتفاقيات والاستعداد للإسناد العلمي المتواصل للحكومة (تطوعاً) من أجل بناء دولة المؤسسات والانتقال الديمقراطي السلس.

عموماً زرع فينا الاتفاق ذرة من الأمل في الانفراج، ونأمل من لجان المقاومة “إعلان هدنة” بوقف التصعيد والمواكب، لتتيح الفرصة لتكملة هذا الاتفاق وتطبيقه.

البروفيسر/عبـدهـ مختـار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى