رأي

عندما يتحدث العلماء.. استمعوا لهم..

تشكل مؤخـراً تجمع “الأكاديميين والباحثين والخبراء السـودانيين في داخل السودان وخارجه”، وقد أعلن عن خارطة طريق للانتقال الديمقراطي في السودان من خلال مؤتمر صحفي في قاعة طيبة بريس بالخرطوم في 10/11/2022). وتتميز هذه المبادرة عن الأخريات بأنه تأتي من جهة محايدة تنتهج نهجاًعلمياً في التعامل مع الأزمة السياسية الراهنة.

أعضاء هذا التجمع لا ينتمون لأية جهة سياسية أو آيديولوجية ولا يطمعون في السلطة، بل تحركوا تطوعا من أجل الوطن ليضعوا الدولة في مسارها الصحيح بعد أن ظلت تائهة ومتخبطة منذ الاستقلال. ويهدفون إلى الإسهام بعلمهم وفكرهم وخبرتهم لوضع الأساس المتين لمجتمع متماسك ونظام سياسي مستقر ودولة ناهضة بثرواتها ومواردها – البشرية والمادية.

واضح أن العملية السياسية في الفترة الانتقالية ظلت تدور في حلقة مفرغة ووصلت إلى طريق مسدود لن تنفع معها كل المبادرات المطروحة بسبب أن الجهة الطارحة لها (غير محايدة). ويحاول كل طرف أن يكون الحل هو الصادر عنه ليسيطر على المشهد السياسي ويحصل على النصيب الأكبر في مؤسسات الحكومة الانتقالية. هذا الوضع يعيد انتاج الأزمة التي أثرت على مسار الفترة الانتقالية ألا وهي عملية تمسك كل طرف بـرؤيته والتكتل مع أطراف معينة فيدخل في صراع مع الأطراف الأخرى التي لم توافق على المبادرة/خارطة الطريق أو الحل المطروح من هذا الطرف أو ذاك.

والسؤال المنطقي هنا: لماذا تتصارع أطراف القوى السياسية حول كراسي “انتقالية” (مؤقتة) وتضيع وقتاً ثمينا كان ينبغي توظيفه في إعداد نفسها للانتخابات للحصول على المناصب الأكثر دواماً؟

ما لم تتنازل القوى السياسية لتشكيل حكومة “كفاءات مستقلة” وتتفـرغ للبرلمان وإعادة بناء نفسها استعداداً للانتخابات لن تنتهي هذه الدوامة والمتاهة. فالملاحظ حتى آخر حل مطروح في الساحة (الاتفاق الإطاري) المسنود دولياً وجد معارضة من أطراف أخرى مما يهدد عملية تنفيذه ويهدد استقرار الفترة الانتقالية.

في تقديري أن مبادرة الأكاديميين تمثل “طوق النجاة” لأزمة الفترة الانتقالية لأنها تأتي من جهة مستقلة؛ وأنها تنتهج نهجا علميا وعمليا متدرجا في التعامل مع الأزمة وفي تشكيل المؤسسات والآليات وفي المعايير الموضوعية التي تستند إليها القوى السياسية في اختيار الكفاءات المستقلة. وهي معايير لا يمكن أن يعترض عليها أحد أو ترفضها جهة ما إلا إذا كان هو ضد الثورة وضد استقرار الوطن ومع مصلحته الشخصية فقط!

وخارطة الطريق للانتقال الديمقراطي في السودان هي جهد وطني لأبناء الشعب السوداني في داخل السودان وخارجه، شارك في إعدادها تجمع الأكاديميين والباحثين والخبراء وهو كيان مستقل لا يتبع لأي جهة سياسية ولا تسيطر عليها أي آيديولوجيا فكرية، وشعاره “السودان أولاً”.

وتقوم خارطة الطريق على مبادئ محددة تتمثل في: الحيادية والحوكمة والحقوق الدستورية والسيادة الوطنية؛ مع تأكيد أن هذه الحيادية تعني من حيث التعامل مع المكونات المختلفة في الساحة السياسية وليس تجاه الثورة فهي تقوم على الانتماء الكامل لثورة ديسمبر المجيدة. فالحياد المقصود هنا هو “حياد إيجابي” من أجل دعم الثورة وإحداث التغيير الشامل والانتقال المدني الديمقراطي.

لقد لاحظ البعض أو تساءل “لماذا جاء هذا التجمع متأخراً”؟ الإجابة عن هذا السؤال هي أن عدداً كبيرا من الذين ابتدروا هذه المبادرة هم خارج السودان وكانوا يأملون في أن تتوصل المكونات السياسية إلى حل للأزمة السياسية التي عصفت بالحكومة الانتقالية، وكان عدم تدخلهم هو خشية أن يظن البعض أنهم يطمعون في السلطة. ولما طال الأمد واستفحلت الأزمة ووصلت البلاد إلى وضع لا يمكن استمرار السكوت عليه اضطروا للتحرك من واقع المسؤولية الوطنية – تطوعاً – لا تشوبه أي أطماع في السلطة. فوضعوا النظام الأساسي للتجمع وشكلوا لجان متخصصة في كل المجالات لكي تكون بمثابة أذرع استشارية سوف تدعم (بالعلم والفكر والخبرات) الحكومة الانتقالية والحكومة المنتخبة.

لكن يتمثل سعيهم العاجل الآن في الاسهام في حل الأزمة من خلال خلق مناخ سياسي توافقي يجمع قوى الثورة على مبادئ أساسية وأولويات الانتقال، وأن تختار قوى الثورة كفاءات مستقلة استناداً للمعايير الموضوعية التي تم تحديدها في خارطة طريق هذا التجمع.

تشتمل خارطة الطريق على تحديد الكيفية التي بها يتم تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية – بما في ذلك الرئيس المدني المستقل، ورئيس الوزراء والوزراء وحكام الولايات – وحددت الآليات والجدول الزمني الخاص بذلك. غير أن نقطة البداية هي الاتفاق على لجنة مصغرة (بمثابة مجلس حكماء) من شخصيات قومية مشهود لها بـ “الحكمة والحياد والنـزاهة والاستقلالية والانحياز لثورة ديسمبر المجيدة”.

لذلك نناشد كافة القوى السياسية وأهل المصلحة بأن يلتقوا بممثلي هذا التجمع ونأمل أن تتجاوب معه المكونات كافة فهو المخرج الوحيد من دوامة الاختلافات والخلافات التي أثرت على استقرار الفترة الانتقالية وكادت أن تعصف بالثورة نفسها.

 

البروفيسر/ عبدهـ مختـار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى