“الصراع المكتوم”.. قيادات الإخوان تدعم عبد الحي.. والضباط يطالبون البرهان بالقضاء على الإسلاميين

متابعات : صحيفة البلاد
إندلعت حرب كلامية أخيراً بين قيادات من الحركة الإسلامية السودانية (جماعة الإخوان المسلمين) ومؤيديهم، وبين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، على خلفية الهجوم الحاد الذي شنه الإخواني المقيم في تركيا عبد الحي يوسف على البرهان، وردّ الأخير.
حمل الهجوم اللاذع غير المسبوق الذي شنه أبرز رجال الدين في الحركة الإسلامية السودانية (جماعة الإخوان المسلمين)، وأحد الداعمين لنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، عبد الحي يوسف، على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حمل إشارات مهمة إلى أبعاد الصراع، خاصة عندما كشف عن خبايا الحرب وما قبلها، ووصف البرهان بأوصاف شديدة السوء، وحمّله مسؤولية اشتعال الحرب وتطورها.
هذا، وإنقسمت الحركة الإسلامية حول تصريحات يوسف، فقد أصدرت بياناً متواضعاً جددت فيه وقوفها مع الجيش السوداني وقائده، وشددت على أنّ عبد الحي يوسف ليس عضواً في التنظيم، إلا أنّ قائد كتائب “البراء بن مالك”،(التابعة للإخوان المسلمين)، المصباح أبو زيد طلحة، ساند يوسف ضمنياً في تصريحات ردّ بها على البرهان بطريقة غير مباشرة، قائلاً في تدوينة عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): “قال أبو القاسم الحافظ بن عساكر: لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، انتهى”.
وكتب القيادي الإسلامي محمد السر مساعد عبر صفحته الرسمية بـ (فيسبوك): “هل يعتقد البرهان أنّ الكيزان سيحاربون الجيش من أجله؟ رأس مالك انقلاب في ساعات قليلة”.
وقال الداعية الإسلامي ماهر مهران في تغريدة، عبر حسابه بمنصة (إكس): “فضيلة الشيخ عبد الحي يوسف بريء من تهمة التكفير، والشيخ ليس حزبياً، ولا ينتمي إلى جهة. وهو بشر ليس بمعصوم، فلك أن تخالفه وأن ترد، لكن بأدب، وبدون افتراء عليه”.
بالمقابل، أثارت تصريحات يوسف وقائد كتيبة البراء غضباً كبيراً في أوساط كبار ضباط الجيش، وقد طالب بعضهم باستبعاد كتيبة البراء وكافة الكتائب الإخوانية من مراكز القرار في الجيش، مشيرين إلى مخاطر كبيرة تحيط بالجيش بسبب علاقته بتلك الكتائب، وفق ما نقلت شبكة (سكاي نيوز).
وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط، في تصريح صحفي نقلته (العين الإخبارية): إنّ هجوم عبد الحي يوسف على قائد الجيش هو “صراع مكتوم بين الإسلاميين وقائد الجيش”.
وأشار المحلل السياسي إلى أنّ تلك الحرب الكلامية التي اندلعت بين عبد الحي والبرهان، “كانت بالون اختبار لإعلان عدم رضا قطاع واسع من تيار الإسلاميين عن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان”.
وتابع: “بالتالي من المتوقع في المرحلة المقبلة أن يتصاعد الصراع، وأن تكون المواجهة مفتوحة، إذا لم يتداركها قادة المؤتمر الوطني الذين أيضاً يتبعون فقه التقية والانحناء للعواصف”، إلا أنّه توقع ألّا يؤثر التصعيد على الحرب، مشيراً إلى أنّه “حتى المجموعات التي تقاتل مع الجيش من المجاهدين هم قلة قليلة، وليس لديهم أثر حقيقي في المعارك ودور مؤثر في مجريات الحرب”.
في السياق نفسه قال الكاتب والمحلل السياسي الطاهر أبو بكر: إنّ “تجيير الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف كل الانتصارات في المعارك الحربية لصالح المقاومة والمجاهدين، وتجاهل دور الجيش السوداني، لا يترك مجالاً للشك بأنّ التنظيم الإسلامي هو المسؤول الحقيقي عن إضعاف القوات المسلحة وتقسيم الدولة وإهانة كرامة السودانيين”.
وأضاف أبو بكر أنّ “هذه ليست حرب الشعب، بل حرب الحركة الإسلامية التي اختارت أن تضحي بالوطن من أجل تعزيز سلطتها وتأمين مصالحها الضيقة على حساب وطن أنهكته المؤامرات وضاق بأبنائه”.
وكان يوسف قد شنّ هجوماً حاداً وغير مسبوق على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، نسب فيه “انتصارات” الجيش على الأرض إلى المقاومة الشعبية التي قال إنّها “تابعة للحركة الإسلامية”.
وعن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قال عبد الحي يوسف: إنّ “الحركة الإسلامية لا تثق به، فهو لا يلتزم بالعهود والاتفاقيات”.
بالمقابل، أبدى البرهان رفضه التشكيك في القوات المسلحة التي تخوض معارك طاحنة، واعترض على نسب الانتصارات التي يحققها الجيش إلى جهات أخرى.
وقال البرهان: “الجيش ليس مُلكاً لشخص، وإذا كانت هناك أيّ جهة لديها فرد يقاتل من أجلها، فلتأتِ وتأخذه. هذا جيش السودان”.
وأضاف: “أيّ شخص يشكك في هذا، فنحن نقول له تعالَ لكي ترى بعينيك، لأنّه أمس كان هناك تكفيري قال إنّه لا يوجد جيش”.
ومثّل موقف المفتي عبد الحي يوسف المقيم في تركيا انقلاباً مفاجئاً في موقف الحركة الإسلامية من قائد الجيش السوداني، الذي كانت تسانده منذ بداية الحرب، ويتبنّى مواقفها الرافضة للتفاوض مع قوات الدعم السريع، دون الاعتراف بوجودها في المشهد السياسي.
وقال الناشط السياسي هشام عباس عبر منصة (إكس): إنّ “شيخ الإرهابيين أعلنها واضحة بأنّ هذه الحرب لا فضل فيها للجيش، بل لميليشيات الحركة الإسلامية، هذا بالنسبة إلى المغفلين الذين يحدثونك عن وجود جيش”.
وأضاف: “طبعاً هم من أشعلوا هذه الحرب، وهم من غدروا بقوات الدعم السريع، وهم من خططوا لهذه الكارثة”.
ومن جهته، رأى الصحفي محمد علي كيلاني، في تصريح نقله موقع (إرم)، أنّ أخطر جزئية في كلام عبد الحي يوسف، هي “أنّ هناك وفداً من اتحاد علماء المسلمين التابع للكيزان التقى وزير الخارجية التركي للتوسط لبيع سلاح للسودان”.
وتابع: “أين وزارة الدفاع، وأين هيئة الإمداد، وأين الملحقية العسكرية، ماذا يفعل هؤلاء حينما يتدخل الإسلاميون من خارج السودان في صفقات السلاح؟”.
وأضاف أنّ “خروج مفتي الإخوان المسلمين في السودان الشيخ عبد الحي يوسف في هذه الأوقات، ليتهم البرهان بالخيانة والكذب ويوضح دور الحركة الإسلامية في الحرب ويمتدح دور المقاومة الشعبية، له دلالات متعددة”.
وبدوره، اعتبر خالد عمر يوسف عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم)، أنّه “يوماً بعد يوم تنجلي سحب التضليل والخديعة حول طبيعة هذه الحرب الإجرامية”.
وقال في تدوينة على منصة (إكس): إنّ “هذه حرب سلطة تنشط فيها جماعة مجرمة قسمت البلاد وقتلت الناس، ولم ترتوِ من دمائهم بعد”.
ومن جهته، اعتبر القيادي بحزب (الأمة) القومي عروة الصادق أنّ حديث عبد الحي يوسف “بمثابة فتوى لتكفير البرهان، تمهيداً لاغتياله”.
وعلّق الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان على حديث مفتي الحركة الإسلامية، قائلاً: إنّ حديث الرجل “يكشف زيف شعارات هذه الحرب، ويؤكد أنّ من أشعلها يسعى لاستعادة سلطته على جماجم السودانيين”.
وأضاف أنّ “عبد الحي، الذي نهب ملايين الدولارات من قوت الفقراء والجوعى، يقول إنّ البرهان لن يستطيع إزاحة الإسلاميين لأنّهم متغلغلون حتى داخل مكتبه، وأنّ الانتصارات ليست بفضل الجيش، وإنّما بفضل كتائب المجاهدين”.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي السوداني بابكر فيصل في مقالة عبر صحيفة (التغيير): لم تأتِ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها عبد الحي يوسف بأيّ معلومة جديدة، بل جاء كلامه تأكيداً لما ظلت تقوله القوى السياسية والمدنية منذ ما قبل اندلاع الحرب حتى اليوم، وهو التالي: في سعيها للعودة للسلطة التي سلبتها منها ثورة كانون الأول (ديسمبر)، فإنّ الحركة الإسلامية لن تتورع عن تدمير السودان وتقسيمه.
هذا، وأصدرت الحركة الإسلامية السودانية أمس بياناً خجولاً، اختتمته بجزئية صغيرة نفت فيها وجود علاقة تنظيمية تجمعها بعبد الحي يوسف.
وبحسب موقع (الراكوبة)، فإنّه يبدو أنّ البيان لم يكن الغرض منه نفي العلاقة بعبد الحي، بل محاولة معالجة كشفه للمستور بينها وبين قائد الجيش، وفضحه لعملية سنّ السكاكين التي تدور في الخفاء، فأكدت في بيانها دعمها للقوات المسلحة
لكنّ محللين اعتبروا البيان محاولة لتخفيف الضرر، مشيرين إلى أنّ العلاقة بين الإخوان والبرهان انتهت فعلياً.
وتجيء تصريحات البرهان رداً على حديث الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف، الذي هاجم البرهان، ووصفه بأنّه شخصية غير محترمة، وليس له دين، مؤكداً أنّه أعجز من القضاء على الإسلاميين.
وعُرف عبد الحي يوسف بموالاة العسكريين في الحكم منذ حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، وقد ناصر فضّ الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش على يد العسكريين فضلاً عن تأييد انقلاب البرهان وحميدتي على الحكومة الانتقالية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وفق موقع (سودان تربيون) المحلي.
وظل عبد الحي يعمل من أجل هذه الحرب منذ بداية الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة حمدوك، وهو الذي قاد منذ بداية الحرب، وما يزال يقود، الحرب الإعلامية وحملات التضليل وإضفاء صبغة دينية على حربهم التي أشعلوها من أجل العودة إلى السلطة، وذلك عبر قناته التلفزيونية (قناة طيبة) التي تبث من تركيا. كما أنّه يقود جميع حملات الدعم المادي والعيني وسط أعضاء الحركة الإسلامية السودانية المقيمين في تركيا لصالح المجاهدين الذين يحاربون على الأرض.
ومنذ بداية الحرب في السودان في 15 نيسان (أبريل) 2023، ظلت القوى السياسية السودانية المناهضة للحرب تؤكد أنّ هذه الحرب أشعلتها وتقودها الحركة الإسلامية السودانية، التي تعرف في السودان بـ “الكيزان”، وجناحها السياسي حزب المؤتمر الوطني، من أجل استعادة السلطة التي فقدتها بعد الثورة الشعبية في 2019.