(وادي العشار) .. تحقيق جديد يفضح فساد “أردول وأبو نومو” في قطاع المعادن
الجريدة تكشف ملابسات نزع مناجم مبروك سليم وعمليات السمسرة والتزوير والابتزاز التي تعرض لها
وزير المعادن يعترف بالتزوير ويلغي إتفاقية الامتياز مع شركة حميد للتعدين
المستندات تؤكد إمتلاك مبروك سليم مربع امتياز ٣٠ بمنطقة وادي العشار بشرق السودان
اللجنة الفنية للتعدين تزور وتمنح شركة حميد للتعدين مربع امتياز خاص بشركة مبروك للتعدين
أردول يوصي بنزع مناجم مبروك سليم وتوزيعها لآخرين تربطهم به علاقة مصالح
تحقيقات الجريدة – عبدالرحمن العاجب
الخروج عن مبدأ النزاهة يعني الفساد، ويعتبر الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة، وله الكثير من الأنواع، منها المالي والإداري والسياسي والأخلاقي.. وسيظل العبث والمحسوبية التي مارسها أبو نمو وأردول في قطاع المعادن يندرج تحت مسمى الفساد إلى أن يثبت قانون الخدمة المدنية القومية وديوان المراجع العام العكس، وستتناول هذه الحلقة من التحقيق عمليات (السمسرة والتزوير والابتزاز) التي تمت، وملابسات نزع مناجم الذهب التي تتبع للدكتور مبروك مبارك سليم بمنطقة وادي العشار بشرق السودان.
أصل حكاية مبروك:
أصل الحكاية تعود إلى أنه في الخامس عشر من يونيو عام ٢٠١٥م دفع الدكتور مبروك مبارك سليم بخطاب إلى السيد وزير المعادن أحمد صادق الكاروري بخصوص الموقع الخاص به في منطقة (وادي العشار) بمحلية هيا، وبحسب الخطاب أكد مبروك سليم انه فتح بئر بهذه المنطقة منذ عام ٢٠٠٧م وكانت البئر وقتها (منسبة) وما زالت بها ذهب ويديرها وكيله مبارك أحمد علي وهو الموكل من طرف مبروك سليم لإدارتها. وأوضح مبروك سليم في خطابه لوزير المعادن بأن احداثيات البئر أو الموقع هي (١٧٠٦٣٥٣٧ – ٣٦،٠٦٧٥٣ – ٣٥،٠٤،٠٢٣ e – ١٧،٣٨٠٠ in) يحدها من الجنوب سلمان مسلم الرشيدي، ومن الشرق والغرب فضاء، مؤكداً في خطابه لوزير المعادن انه ما زال في موقعه ويساهم في اقتصاد البلد، وطالب برفع الضرر عنه من الشركة الروسية، مشيراً إلى انه نمى لعلمه ان الوزارة تريد منح الشركة الروسية الموقع الخاص به، مؤكداً انه أولى بالتخصيص طالما ان الموقع دخل دائرة الإنتاج.
احداثيات وآليات المناجم:
وتحصلت الصحيفة على مستند يوضح احداثيات منجم مبروك مبارك سليم، بجانب الآليات الموجودة بالموقع وهي: (عدد (٦) بوكلن – عدد (٣) ناقلة آليات – عدد (٢) جاك همر – عدد (٣) بلدوزر – عدد (٨) لودر – عدد (١٢) قلاب – مولد كهرباء – عدد (٢) تنكر مياه – عدد ( ٢) ماكينة تكسير) وأوضح المستند ان المنجم به ثلاث ورديات كل وردية بها ( ١٠٠) عامل. فيما تحصلت الصحيفة على احداثيات منجم عبدالرحمن محمد علي صلاح وهو وكيل الدكتور مبروك مبارك سليم، وكشف المستند عدد الآليات الموجودة بالموقع وهي عدد (٥) بوكلن – عدد (١) بلدوزر – عدد (٣) بوكس) فيما أوضح المستند احداثيات منجم عبدالحميد فرح سليمان وهو وكيل الدكتور مبروك مبارك سليم وكشف المستند عدد الآليات الموجودة بالموقع وهي عدد (٥) بوكلن – عدد(٣) بوكس).
الأبحاث الجيولوجية تؤكد:
وأكد تقرير مأمورية أخذ الاحداثيات بمحلية هيا منطقة (وادي العشار) الصادر في الثالث والعشرون من أبريل عام ٢٠١٧م عن الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية مكتب بورتسودان، أكد أنه تمت الزيارة للمواقع المعنية والوقوف عليها ميدانياً وأخذ الاحداثيات لها وهي كالآتي: منجم رقم (1) لصاحبه الدكتور مبروك مبارك سليم – الوكيل مبارك محمد علي، ومساحة المنجم بحسب الاحداثيات الموضحة في التقرير بالكيلومتر المربع تساوي ( 0،16) ومنجم رقم (2) لصاحبه الدكتور مبروك مبارك سليم – الوكيل عبدالحميد فرح سليمان، ومنجم رقم (٣) لصاحبه الدكتور مبروك مبارك سليم – الوكيل عبدالرحمن محمد علي صلاح.
وذكر التقرير انه بحسب إفادة مبارك محمد علي وكيل الدكتور مبروك مبارك سليم بأن المناجم السابقة الذكر هي عبارة عن موقع واحد وبالتالي تم أخذ احداثيات لتحديد حدود هذا الموقع الذي يضم بداخله المناجم ( ١ – ٢ – ٣) كما تم توضيحها في التقرير وبلغت المساحة الكلية للموقع بالكيلومتر المربع (١،٤١).
عقد المعادن ومبروك:
وفي الرابع والعشرون من أبريل عام ٢٠١٧م تم توقيع عقد عرف بعقد التعدين التقليدي للذهب داخل مربع شركة كوش بين وزارة المعادن ومبروك مبارك سليم للعمل في التعدين التقليدي داخل المربع الممنوح لشركة كوش، واعترف العقد وقتها بأن مبروك سليم لديه المقدرة المالية التي تؤهله لأعمال التعدين التقليدي وعلى أساسها تم توقيع هذا العقد الذي عرف بالعقد الثلاثي للعمل في مربع (30) امتياز شركة كوش وكان ذلك في عام ٢٠١٧م.
ما بين مبروك وكوش:
وفي العام ٢٠١٩م صدر قرار من وزير المعادن بعدم تجديد العقودات إلا بعد مراجعتها من قبل لجان مختصة تقوم بتقييمها إذا كانت منتجة يتم ترفيعها إلى تعدين كبير، وبعد تقييم اللجنة لمناجم مبروك مبارك سليم والتأكد من أنها دخلت دائرة الإنتاج، تم ترفيع شركة مبروك سليم إلى تعدين كبير، وبحكم أقدمية مبروك في تلك المناجم وامتلاكه مستندات واحداثيات تؤكد ذلك تنازلت له الشركة الروسية (كوش) عن (١٧) كيلو بالإضافة للكيلو الاول، وبذلك أصبحت مساحة مناجم مبروك سليم (18) كيلو متر مربع، وهي المساحة التي تنازلت منها الشركة الروسية (كوش) لصالح شركة مبروك سليم للتعدين بمنطقة وادي العشار.
بداية التزوير والتلاعب:
وبدأ التزوير والتلاعب في الرابع والعشرون من مارس ٢٠٢١م عندما أفاد خطاب صادر من سكرتير اللجنة الفنية للتعدين بالهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية عصام الدين محمد عبدالقادر موجه إلى رئيس اللجنة الفنية للتعدين، أفاد بأنه بتاريخ ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٠م تقدم السيد مبروك سليم بطلب ترفيع إلى تعدين (كبير) حيث ان لديهم حفرة كبيرة بمنطقة وادي العشار والتي تنازلت عنها شركة كوش لصالح شركة مبروك مبارك سليم والتي تقدمت بطلب الترفيع بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠٢١م وقد عرض الأمر على اللجنة الفنية للتعدين في اجتماعها بالرقم ٦/ ٢٠٢١م بتاريخ ٢٣/٣/ ٢٠٢١م.
وبما أن اللجنة الفنية اعترفت بأن شركة مبروك هي التي تقدمت بخطاب لترفيغها إلى تعدين كبير إلا أن المفارقة جاءت عندما أوصت اللجنة بالموافقة على ترفيع شركة حميد للتعدين إلى تعدين كبير وتحويل الملف للمستشار القانوني لاكمال الإجراءات والتأكد من الشروط القانونية، وعليه نقلت اللجنة التوصية اللجنة الفنية للتعدين للتكرم بالموافقة، وبحسب الخطاب علق رئيس اللجنة الفنية للتعدين لسكرتير اللجنة بالموافقة على ترفيع المربع إلى تعدين كبير وتحويل الملف للمستشار القانوني لتكملة الإجراءات.
أردول يتدخل ويتلاعب:
وفي منحى أخر متصل بالتزوير والتلاعب والسمسرة ومحاولات نزع مناجم مبروك مبارك سليم وتوزيعها لاخرين بعث مبارك عبدالرحمن أردول المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية بتاريخ ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٢م بخطاب لوزير المعادن محمد بشير عبدالله بخصوص إتفاق شراكة، وأشار أردول في خطابه إلى وزير المعادن إلى أن مجموعة وادي العشار بعثت إليه بخطاب خاص باتفاق الأطراف الثلاثة للقيام بشراكة تامة في المنتج وفق مقترحين وبناء عليه قال أردول بحسب خطابه للوزير انه يفضل الموافقة على المقترح الثاني والخاص بتسجيل مربع تعديني تبلغ مساحته (13،950) كيلو متر مربع بين الطرفين الموقعين على الاتفاق المذكور على أن يقع المنحم رقم (1) ضمن المساحة المذكورة وتخصيص المساحة المتبقية للطرف الثالث الرافض للاتفاق وهو مبروك سليم صاحب الحق الأصيل، وطالب أردول وزير المعادن بالاطلاع على الخطاب والمقترح والتوجيه.
المعادن تتفق مع حميد:
بعد الخطابات التي بعثت بها اللجنة الفنية للتعدين، التابعة للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، والشركة السودانية للموارد المعدنية، في ١٧/ ٦ / ٢٠٢١م وقعت وزارة المعادن إتفاقية امتياز بمربع 30 q في مساحة قدرها (١٧) كيلو متر مربع بمنطقة وادي العشار مع شركة حميد للتنمية والاستثمار العالمية المحدودة، ووقع نيابة عن وزارة المعادن كطرف اول الوزير محمد بشير عبدالله والمدير العام لوزارة المعادن الدكتور محمد سعيد زين العابدين، ووقع نيابة عن شركة حميد للتنمية والاستثمار العالمية المحدودة كطرف ثاني حميد محمد حامد ومحمد المنير آدم.
إلغاء إتفاقية امتياز حميد:
وبعد أن تمسك مبروك سليم بحقه ورفض مقترحات التسوية التي عرضها عليه أبو نمو وأردول واتجه للقضاء حينها تخوف وزير المعادن محمد بشير عبدالله من الأمر وشعر بخطورته أصدر قرار وزاري َفي السادس والعشرون من أغسطس ٢٠٢١م تم بموجبه إلغاء إتفاقية الامتياز المبرمة مع شركة حميد للتنمية والاستثمار العالمية مربع 30 q البحر الأحمر، واستند قرار الوزير على السلطات المخولة له بموجب المادة ١٨ (1) من قانون تنمية الثروة المعدنية والتعدين لسنة ٢٠١٥م والمادة ٣٧ (6) من لائحة تنظيم استغلال المعادن لسنة ٢٠١٦م واستنادا إلى المادة ١٧ (1) من إتفاقية الامتياز لاستكشاف واستغلال المعادن بمربع ٣٠ q البحر الأحمر التي تم التوقيع عليها بين وزارة المعادن وحميد للتنمية والاستثمار العالمية المحدودة، وبناء على توصية اللجنة الفنية للتعدين.
اعتراف الوزير بالتزوير:
واعترف قرار وزير المعادن بالتزوير وجاء فيه النص الأتي: وبما انه قد ثبت ان الطرف الثاني في الاتفاقية المشار إليها قد قدم معلومات غير صحيحة للجنة الفنية للتعدين مستندا إلى توكيل ممنوح له من السيد مبروك مبارك سليم مالك إسم العمل مبروك للتعدين إلى شركة حميد للتنمية والاستثمار العالمية المحدودة، وبما ان هذا الفعل يعتبر ذا أثر جوهري لانعقاد الاتفاقية بالمعنى المقصود في المادة 17 (1) (4) من الاتفاقية عليه أقرر الاتي: 1- تلغى من تاريخ صدور هذا القرار إتفاقية الامتياز لاستكشاف وتطوير واستغلال معدن الذهب والمعادن المصاحبة له بمربع 30 q البحر الأحمر الموقع عليها بتاريخ ١٧/ ٦/ ٢٠٢١م 2 – يرد مبلغ بونص التوقيع الذي قام الطرف بدفعه. 3- على سكرتير اللجنة الفنية للتعدين والجهات الأخرى ذات الصلة وضع القرار موضع التنفيذ.
امتناع أبو نمو وأردول:
ولتحقيق مبدأ الدقة والتوازن والموضوعية والنزاهة والمهنية إتصل محقق صحيفة (الجريدة) على وزير المعادن محمد بشير عبدالله، والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك عبد الرحمن أردول وطرح عليهم عدة أسئلة متعلقة بالاتهامات التي وردت في حقهم والتي اثبتتها المستندات التي تحصلت عليها الجريدة، ولكنهم رفضوا وامتنعوا عن الرد على أسئلة المحرر والصحيفة.
الهروب من الحقيقة والمواجهة:
ولكن رغم تحفظ الرجلين (أبو نمو وأردول) على الرد وهروبهم من مواجهة الحقائق، نجد أن المستندات التي تحصلت عليها صحيفة (الجريدة) أكدت وجود تزوير قامت به اللجنة الفنية للتعدين التابعة للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، عندما قامت بترفيع شركة حميد إلى تعدين كبير، وأوصت بمنحها مربع امتياز وهي تعلم إن مربع الامتياز هو ملك لشركة مبروك للتعدين.
فيما ذهبت وزارة المعادن في ذات الخطأ المقصود الذي وقعت فيه اللجنة الفنية للتعدين وقامت بتوقيع اتفاقية امتياز مع شركة حميد للتعدين في مربع الامتياز الخاص بشركة مبروك للتعدين، فيما إرتبط هذا الإجراء بالخطاب الذي بعث به مبارك أردول المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية إلى وزير المعادن والخاص بتوصيته بتقسيم منجم مبروك سليم إلى ثلاثة مناجم يتم بموجبها نزع ثلثي المساحة من مبروك سليم، وتمليكها لآخرين لاعلاقة لهم بالمنجم.