حوار

المؤتمر الشعبي : قطعنا صلتنا بـ”الإخوان” منذ أيام الترابي

وكالات : البلاد

إعتبر الأمين السياسي لأحد أبرز التيارات الإسلامية وهو حزب المؤتمر الشعبي في السودان، كمال عمر عبدالسلام، أن الاتفاق الإطاري الذي وقعته مجموعة مدنية مع العسكريين في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، بأنه مشروع الفرصة الأخيرة لتحقيق التحول الديمقراطي في البلاد وأفضل الخيارات المتاحة، مؤكداً أنه محروس بإرادة الشارع السوداني وأن فرص التراجع أو الخروج منه ضئيلة جداً.

وقال عبدالسلام في حوار، إن هناك محيطاً إقليمياً، من دون أن يسميه، لا يريد ديمقراطية في السودان من منطلق أن السودانيين لا يستحقونها، فيما شدد بأنهم لن يقبلوا باختطاف القرار والسيادة السودانية، ووقفوا موقفاً صلباً عند الحديث عن تفكيك الجيش.

ووصف الحملة الموجهة ضد دستور الفترة الانتقالية الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين بأنها مغرضة يقف وراءها أنصار النظام السابق، معتبراً إياه دستوراً سودانياً 100 في المئة لم تأت به سفارة من السفارات الأجنبية في الخرطوم، إذ يحمل سمات نظام الحكم بعيداً من الدين أو الأيديولوجيا.

إتهام وإستهداف

ورداً على سؤال حول مبررات توقيعهم على الاتفاق السياسي على رغم رفض كل التيارات الإسلامية التي ينتمون إليها، قال إن “المؤتمر الشعبي حزب تأسس على قضايا السودان وليس حزباً طائفياً، ويدرك طبيعة المرحلة والأزمة السياسية التي تضرب البلاد بسبب انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فالحزب منذ فترة رئاسة حسن الترابي تعرض لابتلاءات ومعارضات داخلية أولها كان بسبب التوقيع على مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق قبل انفصال الجنوب، مما جعل تيارات إسلامية تتهم الترابي بأنه لا علاقة له بالإسلام، بل باعه للحركة الشعبية التي قتلت المجاهدين الإسلاميين”.

واستدرك، “لكن عندما أدركت تلك التيارات ما أحدثته المذكرة من تحول باركت الخطوة، وكان هدفنا آنذاك من تلك المذكرة المحافظة على وحدة الشمال والجنوب، لكن النظام السابق (حزب البشير) كان يرى فيها مساساً بالسلطة، وتواصل استهداف الحزب عندما طور علاقاته في دارفور، فاتُهم بدعمه للحركات المسلحة مما أدى إلى إغلاق دوره واعتقال قياداته ومنعه من العمل السياسي، كما أنه عندما وُقع ’اتفاق نيفاشا‘ للسلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عام 2005 كنا أول من أيده، وتطورت علاقاتنا مع حركة قرنق من خلال تحالف سمي الإجماع الوطني وضم أيضاً اليسار، وكان الهدف منه المحافظة على وحدة السودان وإرساء دعائم التحول الديمقراطي”.

وتابع، “قضيتنا ليست الانزواء في مسألة الدين المحصورة في الشعائر، لكننا مع السلام والحريات والوحدة، فالمؤتمر الشعبي سار على هذا النهج ولذلك فعندما وقع انقلاب البرهان اتخذنا موقفاً فكرياً يتماشى مع مبادئ الحزب ونظامه الأساس، ومعلوم أن الانقلاب كان ضد قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية السابقة، والتي كانت لها معركة مع الإسلاميين مما أصبح عداء بين اليسار واليمين، لكن تقديراتنا لهذه المعركة بأنها معركة أهل السودان في التحول الديمقراطي مع العسكر”.

ويواصل، “كذلك عندما التقينا مع قوى الحرية والتغيير حول دستور نقابة المحامين قامت الدنيا ولم تقعد، فقال بعض ما يسمى الإسلاميين إن المؤتمر الشعبي وضع يده مع الكفرة واليسار والعلمانيين وباع الدين، لكنهم تناسوا أن المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد 30 عاماً باسم الدين مارس كل أنواع الفساد والإرهاب والتعذيب والقتل، وصحيح كنا جزءاً من هذا النظام في يوم من الأيام، لكننا قمنا بمراجعات حول الانقلابات والتحول الديمقراطي والحريات، وبالتالي فنحن الآن في ريادة قوى الانتقال التي وقعت على الاتفاق الإطاري باعتباره مشروع الفرصة الأخيرة لتحقيق التحول الديمقراطي في السودان”.

حملة مغرضة

وحول اتهام دستور المحامين بأنه أجنبي الصنع، أوضح عبدالسلام أن “الدساتير علم وفكرة إنسانية لا تقبل العمالة، ففي دستور 1998 اهتدى السودانيون بالتجربة الأميركية فأخذوا منها الرقابة القضائية والنظام الرئاسي، وحينها لم يصفنا أحد بالعمالة، ولا بد من أن يعلم الجميع أن دستور نقابة المحامين السودانيين كان عبارة عن مشروع ورقة قدمها أحد المحامين وجرت عليها تعديلات وإضافات وحذف لبعض نصوصه، لكن لم تأت به سفارة من السفارات الأجنبية في الخرطوم، فالحملة التي تنتظم وسائل التواصل الاجتماعي ضده هي حملة مغرضة من أنصار النظام السابق وبعض الإسلاميين الذين تم تضليلهم بشعارات المؤتمر الوطني ولم يتعظوا من التجربة السابقة التي أساءت إلى الدين، فدستور المحامين لا يزال في طور البحث والنقاش ومعروض للجميع ليقول رأيه، فمثلاً نحن في المؤتمر الشعبي قدمنا 41 ملاحظة لكنها ليس جوهرية، كانت في الشكل والمعاني والكلمات وبعض النصوص، كما قدم حزب الأمة والجبهة الثورية والمكون العسكري أيضاً ملاحظات حوله، فهذا دستور انتقالي لمدة 24 شهراً يحمل سمات نظام الحكم بعيداً من الدين أو الأيديولوجيا، وأعظم ما عمله هذا الدستور أنه ألغى الوثيقة الدستورية لعام 2019 وكذلك الشراكة السابقة بين المدنيين والعسكريين، فضلاً عن إلغاء أي مشروع انقلاب، فهو دستور مفتوح لكل السودانيين ما عدا أنصار الشمولية والانقلابات”.

 

ووصف الحملة الموجهة ضد دستور الفترة الانتقالية الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين بأنها مغرضة يقف وراءها أنصار النظام السابق، معتبراً إياه دستوراً سودانياً 100 في المئة لم تأت به سفارة من السفارات الأجنبية في الخرطوم، إذ يحمل سمات نظام الحكم بعيداً من الدين أو الأيديولوجيا.

طموحات وقناعة

وعلق على سؤالنا عن مدى تعرض العسكر إلى ضغوط للتوقيع على الاتفاق الإطاري بقوله، “أنا أتحفظ على الحديث الحاد في مواجهة العسكر لأن الظروف السياسية الحالية تقتضي الحديث بالحسنى، فالسلطة تجربة إنسانية تسيل فيها دماء، وسكرتها أشد من سكرة الخمر، وندرك طموحات العسكر وكل من جاء منهم ليحكم السودان كانت طموحاته أكبر من الشعب والديمقراطية، ونعلم أن هناك محيطاً إقليمياً من دون ذكر أسماء لا يريد ديمقراطية لبلادنا، فهو يعتقد أن السودانيين لا يستحقون هذا الاستحقاق، لكن فات عليهم أن الشعب السوداني فجر أعظم ثورة في العالم من أجل الديمقراطية، ولن يقبل مرة أخرى بحكم العسكر مهما استخدم من وسائل عنف، وصحيح أن المكون العسكري وقّع معنا كتحالف مدني اتفاقاً إطارياً، ولا أقول إنهم كعسكريين أجبرهم الشارع والمجتمع الدولي على هذه الخطوة، لكن على الأقل أفترض حسن النية تجاههم وأقول لنفسي ككتلة مدنية إن المدنيّة يمكن أن تصبح ديكتاتورية مدنية ويمكن أن تصبح ديكتاتورية عسكرية، وفي الغالب فمن لديه السلاح هو الشخص المستبد، لكن المعادلة الراهنة تستبعد حكم العسكر”.

وأردف، “الخلافات بين العسكر موجودة لكن القناعة وسط من وقّع الاتفاق، وأعني البرهان وحميدتي، موجودة، وقد عبر عنها الاثنان في خطابهما عند التوقيع على الاتفاق، وعلى رغم ما سمعناه من أقاويل بأن العسكر لا يلتزمون بمواثيق وعهود لكننا نعتقد أن الاتفاق محروس بإرادة الشارع السوداني، وأن المجتمع الدولي شاهد على ذلك، وبالتالي ففرص الخروج منه ضئيلة جداً في تقديري”.
لافتات للإغراق.

لكن كيف ينظر تحالف المدنيين الموقعين على الاتفاق إلى توسيع المشاركة؟ يجيب الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي “نحن مع توسيع قاعدة المنضمين إلى الاتفاق الإطاري لكننا ضد الإغراق، وجميعنا يتذكر عملية الحوار الوطني في أواخر عهد النظام السابق والذي تم إغراقه بأحزاب عبارة عن لافتات للحزب الحاكم، والآن نعلم أن هناك 500 لافتة تابعة لحزب البشير تريد الانقضاض على هذا الاتفاق، فلدينا لجنة تتابع ما يدور في المشهد السياسي ولكن ليست لدينا عصا سحرية لإفشال ومنع كل هذه المخططات الخبيثة، وحالياً نركز جهودنا مع أطراف العملية السلمية في الجبهة الثورية الذين لم يوقعوا على الاتفاق الإطاري، وهما رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم من أجل انضمامهما إلى المعادلة السياسية الراهنة، لأنها معنية بالتحول الديمقراطي ومعالجة ملفات السلام والعدالة الانتقالية وتفكيك نظام ’30 يونيو‘ والإصلاح الأمني والعسكري، فكل هذه الملفات من المهم توسيع قاعدة المشاركة حولها، بشرط أن من يشارك يكون مؤمناً بالسلطة المدنية”.

ومضى قائلاً، “هذه الفرصة ليست مفتوحة للنهاية وهناك أمد زمني محدد، فالمجتمع الدولي يتحاور حالياً معهما وأطلق أحدهما تصريحات إيجابية، لكن بشكل عام فإنه بنهاية هذا العام لا بد من حسم هذا الملف، بخاصة أن هناك لجنة تعمل على وضع برنامج الفترة الانتقالية ومعايير الترشيح لاختيار رئيس الوزراء، ولجنة أخرى لعقد ورش عمل مع المجتمع الدولي للانتهاء من كل الملفات”.

وفي معرض إجابته عن التساؤل في شأن خشيتهم من معارضة اليسار والإسلاميين معاً لهذا الاتفاق، رأى أن “هناك معارضة إيجابية ومفيدة كمعارضة اليسار، فهو يخشى ألا ينفذ العسكريون الاتفاق ويعتبره اتفاق تسوية الهبوط الناعم وبيعاً لدماء الشهداء، أما اليمين فهو يريد استمرار الانقلاب وأن يكون الحكم ديكتاتورياً من خلال التخطيط للانقلابات من دون الاتعاظ من تجربتهم السابقة، وبالتالي فنحن مع جانب المعارضة الذي يدعم التحول الديمقراطي ونقف مع هذا الاتفاق ليس طمعاً في وزارة أو سلطة، فقرارنا الحزبي ألا نشارك في السلطة الانتقالية، ومن المؤكد أنه إذا نفذ الاتفاق بالطريقة المخطط لها فستنضم كامل المعارضة اليسارية إليه، فالآن لديها توجسات وتخوفات من جانب العسكر، أما الإسلاميون المحسوبون على المؤتمر الوطني فهؤلاء لا يريدون تحولاً مدنياً ولا حريات ولا يعترفون بالثورة”.

أفضل خيار

ورداً على سؤال حول استعجالهم توقيع الاتفاق قبل توحيد قوى الثورة للالتفاف حوله قال، “هذا الكلام من حيث الإطلاق موضوعي، لكن عملياً لا بد من أن يعلم الجميع أن البلاد من دون حكومة وبها فراغ دستوري وأزمات اقتصادية وأمنية واجتماعية تهددها فضلاً عن تزايد وتيرة التدخل الأجنبي، وفي تقديرنا أن هذا الاتفاق هو أفضل خيار ممكن بخاصة أنه قابل للتطوير، ومؤكد سيستجيب لكل تطلعات الشعب في السلطة المدنية والتحول الديمقراطي، وأهم ما في هذا الاتفاق الدعم الدولي خصوصاً في المجال الاقتصادي، وهذا مربط الفرس لأننا بحاجة إلى فك عزلتنا الخارجية وعدم العيش في جزيرة معزولة، فالمجتمع الدولي قدم وعوداً وضمانات لمساندة التحول الديمقراطي، وفي رأيي أنه بإرادة الشعب ومساندة دول الجوار والأصدقاء من الحلفاء الدوليين ستعبر بلادنا إلى الأمام”.

وعما إذا كان للمجتمع الدولي مصالح في إنهاء الأزمة السودانية، أشار عبدالسلام بالقول، “إذا قلت لك إن المجتمع الدولي قلبه على السودان كذبت عليك، فهو ينظر إلى مصالحه بالدرجة الأولى، فهناك دول إقليمية تنظر للتحول الديمقراطي من ناحية امتيازات في بعض المناطق، وأخرى يهمها الاستقرار لأنه إذا حصل تدفق للاجئين فسيكون على حساب دول أوروبا، وإذا انفرط عقد الأمن فيه فسيهدد دول الجوار، وهناك أصدقاء للسودان حريصون على الديمقراطية كاستحقاق مطلوب، وبشكل عام فهناك مصالح مشتركة مع المجتمع الدولي وعلاقات تتصل بإرساء مفهوم الحرية والديمقراطية، لكن لا نقبل أن يختطف القرار السوداني والسيادة السودانية، وبالتالي وقفنا موقفاً صلباً عند الحديث عن تفكيك الجيش، فنحن نرى أنه لا بأس أن يكون إصلاح المؤسسة العسكرية في المنهج والعقيدة والفكرة، لكن أي إصلاح تكون نتيجته تفكيك الجيش فنحن ضده، وكل القوى السياسية ترى ذلك لأن انهيار الجيش يعني انهيار البلاد، وهو ما حدث في دول بالمنطقة انهارت جيوشها وحلت مكانها ميليشيات، ولذلك فإن تماسك المؤسسة العسكرية صمام أمان للسلطة المدنية المقبلة”.

وفي ما يتعلق بواقع دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني أفاد، “في نظري أن قائد الدعم السريع أظهر مواقف داعمة للاتفاق الإطاري منذ الوهلة الأولى عندما أعلن تأييده لدستور نقابة المحامين، وبالتالي فإن مساندته للسلطة المدنية خطوة أولى تجاه إمكان دمج قواته في القوات المسلحة، لكن مؤكد أنها ليست عملية سهلة ولن تتأتى إلا في ظل استقرار حقيقي في جانب أجهزة العدالة وسلطة مدنيّة منتخبة، فضلاً عن أنها تحتاج أيضاً إلى إرادة حقيقية من جميع الأطراف”.

ضعف وخلافات

وحول سؤالنا له عن واقع الحركة الإسلامية ومستقبلها في ظل انقساماتها أجاب، “الحركة متجذرة في مكامن الشعب السوداني وقد راهنت على مسألة التدين مرات ومرات، لكن رهانها السياسي ومواقفها في هذا الجانب باتت ضعيفة، وأرى أنها ستنهض بقيادة الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج المعتقل حالياً بتهمة تقويض النظام الديمقراطي عام 1989، لأنه أكثر السياسيين السودانيين وعياً بقضايا السودان، لذلك سيكون نجاح الحركة الإسلامية في مشروع المؤتمر الشعبي لأنه الحزب الوحيد الصادق في منهج هذه الحركة، وحاول المغرضون إشعال الفتن ضده، ومع اعترافنا أن هناك خلافات داخلية لكنها ضئيلة وتتمثل في عدد قليل من القيادات، والأغلبية مع خط الحزب الحالي، أما من دعموا الانقلاب فليس لهم تأثير على الحركة الإسلامية إطلاقاً”.

وأضاف، “نحن قطعنا علاقتنا مع حركة الإخوان المسلمين العالمية منذ تسعينيات القرن الـ 20 خلال فترة حسن الترابي، ولم يصبح لنا أية صلة بتلك الحركة، فلدينا خصوصيتنا ووضعنا السوداني ولن نتسبب في زعزعة الاستقرار في دول أخرى، بل وقفنا حائط صد أمام أية تدخلات ومخططات لأنه تربطنا بهذه الدول أواصر العروبة والإسلام، ولهذه الدول خيارات شعبها في الحكم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى