ذاكرة الأيام “5”
الدمازين
الخلوة “الديوان_ الصالون”
مدخل:
كل الناس هناك كل الناس أهل والماهم أهل قربهم العمل.
أمام كل دار أو منزل أُسرة توجد قُطية أمامها راكوبة “راكوبة الضرا” كبيرة الحجم يُعتنى بها جيداً من حيث النظافة والتجهيزات الأخرى، بها عدد مُقدر من الأسِرة ” “العناقريب” وفروة “مِصلاة” للصلاة وإبريق “صُنع من الزنك المتين” بابها فاتح نحو الشارع الرئيسي مباشرة.
مشهد أول:
يُقيم “يسكن” الشباب “الصُبيان” بالخلوة” “الديوان_الصالون” ، عند الصباح يُحضر إليهم شاي الصباح الذي دائماً ما يصحبه براد من “اللبن المُقنن” ومعه صحن من الزلابية “الِلقيمات” المصنوعة من دقيق “الفينة، الأسترالي” يجتمع كل أفراد الأسرة “الرجال” في راكوبة الخلوة لشراب الشاي يتوسطهم كبير الأسرة متوهطاً على الفروة أو برش الصلاة ممسكاً بمسبحته وبقربه إبريق الزنك، صارفاً الأوامر للأبناء بإن “أمشوا تاني أملوا البراد دا لبن ي عيال، الشاي دا برد أمشو خلوا العوين “النساء” يدفنوا ليكم”، ليأتي أحد المارة فينادي له الجميع: تعال أشرب الشاي ي زول، إتفضل عليك الله أشرب ليك كُباية شاي، عزومة الشاي ما برفضوها، والله إلا تضوق لقيمات بت… “كنية ربة المنزل”، حتى ليتم إقناعه بالجلوس لشرب الشاي.
في جلسة الشاي هذه يُناقش أفراد الأسرة خُطة اليوم التي تكون تفاصيلها كالآتي: الذهاب إلى (الزرع “ضحوة_سربة”، الطاحونة، جلب الماء من “الدونكي، المضخة، الثواني” ، السرحة “الرعي”، جلب منصرفات البيت “التسوق”) وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك أبطال خلف الكواليس “النساء” يقمن بإعداد ما يحتاجه الضرا دون إمتعاض وتكلف، كما أن لهن دور في تنفيذ خطة اليوم فبالمختصر “النساء شقائق الرجال” في ذاك الوقت.
مشهد ثاني :
الخلوة هي مرتع لكل شباب الحيّ أي بإمكان شاب أن يستريح فيها وستُقدم له الخدمات بكل بساطة ولكأنه أحد أفراد الأسرة، فأحياناً تجد من يعود إلى منزله فيُسأل إن كان له رغبة في الأكل فيكون رده “أكلت في خلوة ناس فلان”.
يحكي لنا الخال “نعمة الله عبدالكريم”كيف كانوا يقضون يومهم وهم “سجالة” أصدقاء، يفطرون في “خلوة ناس مبارك إغيبش” يشربون القهوة في “خلوة ناس عبدالله سليمان قنذب” يتناولون طعام العشا في”خلوة ناس سليمان أبو أم نزل” وربما يبيتون في خلوة أخرى أينما حل بهم الظلام.
مشهد آخير:
تعتبر الخلاوي “الصوالين، الدواوين” مقر إقامة لمن إنقطع به السبيل والضيوف العابرون بل حتى المقيمون، في موسم الزراعة يتوافد القادمون من دار الريح أو “دار حمر” للعمل بالمزارع وغالباً ما يقصدون الخلاوي، فتُحسن معاملتهم حتى يحسوا بإنهم جزء من أفراد الأسرة إلى حين إنتهاء موسم الزراعة والذي دائماً يكون في الفترة من شهر 7 إلى شهر 12 أي بمعنى ستة أشهر، حتى يعرفه الناس بإن هذا فلان الذي يسكن خلوة ناس فلان، وكل عام وموسم زراعي يأتي ويُقيم في تلك الخلوة التي أقام بها العام الماضي ولا يغير منزلته فهو عيب كبير في أعرافنا أن يغير الرجل منزلته وصل الحد من الإلفة معهم إلى زُوج كثير من ضيوف الخلوة وكان صاحب الخلوة هو وكيل لهم عند زواجهم.
إشتهرت بعض الخلاوي وذاع صِيتها، ودائماً ما تكون أشهر الخلاوي “خلوة شيخ الحلة” فكانت خلوة جدنا الشيخ “عبد الله ود امبدة” وجهة لكل من هب ودب، وكذلك خلوة جدي لأمي “أبوي” الضي أم بدة “أدخله الله الفراديس العلى” فهو كان ملاك يمشي بين الناس بالفضائل والكرم، وتجد بحي داؤود “خلوة عيال حامد داؤود” وكذلك خلوة زعيم الأنصار جدنا إبراهيم حامد بدوي، وخلوة عمنا حسن عبدالقادر وهذا رجلٌ يصعب وصفه، خلوة جدنا الحاج محمد هشابة، وبحي الثورة تجد خلوة “عيال العمدة البدوي” “جعل الله جنات الخلد مقامهم ” كل هؤلاء توفاهم الله إلا أن أثرهم أصبح باقي يحكيه التاريخ عبر الأزمان.
هكذا كانت ذاكرة الخلوة بالدبيبات والتي لا شك أنها عينة تمثل ثقافة مجتمع يتمتع بها كل السودان والسودانين إلا أن المكان يختلف والزمان واحد.
ملحوظة عزيزي القارئ دائماً ما أقصد عدم ذكر الكثير لأترك لك سانحة لتخرج لنا ما تجود به ذاكرة أيامك.
خالد علي إغيبش
الخميس 24 نوفمبر 2022.