توقيع ميثاق تحالف السودان التأسيسي•• إنطلاقة كبرى نحو ديمقراطية علمانية تضمن السلام والوحدة الوطنية
بقلم / لنا مهدي

التوقيع على ميثاق تحالف السودان التأسيسي لحكومة السلام والوحدة السودانية الذي نص على الديمقراطية العلمانية هو خطوة جريئة وجوهرية نحو بناء دولة حديثة تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية وتضمن الحريات الفردية والجماعية وتعزز سيادة القانون وترسخ مفهوم الدولة التي تفصل بين الدين والسياسة لتحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو أي انتماء آخر فهذا الميثاق يعكس إستجابة لحاجة السودان الماسة إلى إصلاح شامل يضمن ترسيخ الحكم الرشيد وإنهاء عقود من النزاعات والتوترات التي أعاقت مسار التنمية والاستقرار.
إذاً العلمانية الديمقراطية لا تعني بأي حال من الأحوال الإنحلال أو التهتك الإجتماعي بل هي إطار يضمن حرية الأفراد والمجتمعات في اختيار معتقداتهم وممارسة دينهم بحرية، بعيداً عن التدخل الديني في شؤون الدولة. فالعلمانية الديمقراطية تركز على التعددية وتسمح بوجود ثقافات وأديان متنوعة دون فرض أي من هذه المعتقدات على الآخرين وهي ليست دعوة للإباحية أو الانحلال الأخلاقي بل هي دعوة إلى تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والحريات مع الحفاظ على قيم الاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع.
ميثاق تحالف السودان التأسيسي لحكومة السلام والوحدة السودانية يمثل خارطة طريق لبناء نظام سياسي يهدف إلى إنهاء الصراعات الطويلة التي شهدتها البلاد والتي كانت مدفوعة بتناقضات الهوية والإنتماء الديني والجهوي والمناطقي وهو ما يعكس الحاجة إلى تبني نموذج حكم يعترف بالتنوع ويضمن حقوق الإنسان ويضع الأسس اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي من خلال آليات تضمن المشاركة الشعبية وتفعيل دور المجتمع المدني في صناعة القرار السياسي والاقتصادي.
كما يطرح الميثاق رؤية واضحة لضرورة بناء مؤسسات قوية ومستقلة تستند إلى الدستور والقانون وتحمي الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والإقتصادية لجميع المواطنين كما يرسخ لفكرة أن الديمقراطية لا تقتصر فقط على الانتخابات الدورية بل تشمل أيضاً ترسيخ ثقافة المشاركة الشعبية الفاعلة وضمان حرية التعبير والتنظيم السياسي والنقابي ما يسهم في خلق بيئة سياسية صحية تعزز الاستقرار وتدفع بعجلة التنمية نحو الأمام ؛ فالديمقراطية الحقيقية تقوم على تعددية الأصوات وتوازن السلطات والرقابة على الأداء الحكومي ما يعزز ثقة المواطن في الدولة ويحد من الفساد وسوء الإدارة.
من جهة أخرى فإن التحالف الذي وقعت عليه الغالبية العظمى من القوى السياسية والمدنية والعسكرية السودانية يعكس إرادة مشتركة لإرساء أسس الحكم الرشيد القائم على مبادئ الحوكمة والشفافية والمحاسبة وهو ما يشكل إستجابة فعلية للتحديات التي واجهها السودان في العقود الماضية بسبب أنظمة الحكم التي اعتمدت على الإقصاء والإستبداد والتهميش ما أدى إلى تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والإجتماعية التي أعاقت تطور البلاد وجعلتها تعاني من الحروب والنزاعات المستمرة.
إن الإنتقال إلى نظام ديمقراطي يتطلب تفكيك منظومة الاستبداد وإرساء ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز مؤسسات الدولة لتكون في خدمة المواطن لا أداة قمعية بيد السلطة؛ فمن خلال هذا الميثاق يضع التحالف أسساً لبناء دولة ديمقراطية تحترم التعددية وتعزز قيم التسامح والتعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع السوداني حيث يصبح التنوع مصدر قوة بدلاً من أن يكون سبباً للخلافات والنزاعات وهذا يتطلب وعياً سياسياً عاليآ من جميع الأطراف بضرورة تجاوز الخلافات الضيقة والعمل المشترك من أجل تحقيق المصالح الوطنية العليا.
التحول الديمقراطي في السودان لا يمكن أن ينجح إلا إذا تم ترسيخه في الثقافة المجتمعية وترجمته إلى سياسات عامة تعكس تطلعات الشعب في الحرية والعدالة والتنمية وفي هذا الإطار يمثل الميثاق خطوة متقدمة نحو بلورة رؤية وطنية جامعة تؤسس لدولة حديثة تقوم على أسس الديمقراطية العلمانية التي تضمن حياد الدولة تجاه الأديان وتمنع استغلال الدين في السياسة ما يعزز فرص تحقيق الاستقرار والتنمية والعدالة الاجتماعية للجميع ؛ فمستقبل السودان مرهون بقدرته على تجاوز الإرث الاستبدادي وبناء دولة حديثة تحترم حقوق مواطنيها وتسعى إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي تطلعات الأجيال القادمة.