(الهلالية المكلومة) الحقيقة المريرة خلف مأساة الوفيات الغامضة!
تقرير : بوابة السودان
تعاني قرية الهلالية شرق ولاية الجزيرة بوسط السودان من كارثة صحية غير مسبوقة، حيث تجاوزت الوفيات نتيجة حالات مرضية غامضة الـ 300 حالة، بالإضافة إلى العديد من حالات الإصابة الأخرى وسط قوات الدعم السريع التي أعلنت عن ذلك دون تحديد العدد.
ووفقاً لمصادر طبية، تبدأ أعراض هذه الحالات الغامضة بالإسهال والحمى قبل أن تنتهي في حالات عديدة بالوفاة، مما يثير شكوكاً قوية حول أسباب هذه الكارثة الإنسانية الطارئة.
وفيما تشير تقارير ميدانية إلى أن الوفيات قد تكون ناجمة عن التسمم نتيجة شرب السكان من بئر قديمة في المنطقة ظلت مهجورة منذ نحو عقدين، اضطروا لإستخدامها بعد توقف آبار ومصادر المياه الأخرى التي كانت تعمل بسبب عدم توفر الوقود، رجحت مصادر طبية أخرى أن يكون السبب انتشار وباء الكوليرا، الذي يضرب بقوة أنحاء واسعة من البلاد، خصوصاً ولايات وسط السودان، ويهدد حياة آلاف السودانيين في حال عدم السيطرة عليه سريعاً.
الأوضاع الصحية المتدهورة في السودان :
تواجه مناطق واسعة من السودان أزمة إنسانية حادة تتجلى في تدهور مريع في الوضع الصحي وانهيار الخدمات الطبية نتيجة الحرب وما خلفته من آثار كارثية بالغة طالت كل مرافق الحياة، إذ تعاني المستشفيات والمراكز الصحية العاملة من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية حتى في حدودها الإسعافية، إلى جانب التدهور البيئي ونقص الغذاء، مما يفاقم من إنتشار الأوبئة. وظهرت مؤخراً موجة حادة من حمى الضنك طالت معظم المناطق بولايات شرق السودان، إلى جانب انتشار وباء الكوليرا في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وسنار، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية المتصاعدة في ولايات دارفور بسبب عدم توفر الغذاء والدواء والقصف الجوي المتواصل على المناطق المدنية. وأشارت تقارير ميدانية إلى استقبال مستشفى الدويم في ولاية النيل الأبيض حوالي 40 حالة كوليرا يومياً في الأيام الماضية، مما يهدد هذه المناطق بكارثة صحية قد تكون الأشد في تاريخها الحديث.
مجهودات الأمم المتحدة:
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) في تقريره الأخير عن حدوث وفيات نتيجة التسمم بقرية الهلالية، مؤكداً وجود حالات اشتباه بالكوليرا وسط نازحين من الهلالية ومناطق أخرى بشرق ولاية الجزيرة وصلوا إلى منطقة البطانة بولاية القضارف. وأوضح المكتب أن وباء الكوليرا ينتشر بسرعة بين النازحين بسبب شربهم من مصادر مياه ملوثة، إذ يفتقرون إلى المياه النظيفة. وقد تم الإبلاغ عن نحو 150 حالة اشتباه بالكوليرا في مستشفى الصباغ الريفي بمنطقة البطانة، مما يعكس الوضع الصحي الحرج في ظل غياب الدعم الطبي الضروري.
تحذيرات من استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية:
مع تزايد حالات الوفاة وعمق المأساة الإنسانية، حذّر مراقبون من استغلال معاناة المواطنين في الصراعات السياسية واستخدامها كدعاية حرب وتحويل آلام المواطنين إلى أدوات حربية. وأشار محللون إلى وجود شائعات تتحدث عن تسميم مصادر المياه عمداً من قِبل قوات الدعم السريع. ورغم غياب الأدلة على هذه المزاعم، اعتبروا هذه الشائعات والادعاءات وسيلة للتكسب من معاناة الناس في خضم الحرب الدائرة وتحقيق مكاسب سياسية على حساب حياة المدنيين.
وقال مراقب سياسي، فضّل حجب هويته، إن طرفي الحرب الجيش والدعم السريع كلاهما شارك في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، ولا يحتاجان لاستخدام معاناة المدنيين كسلاح في حربهما، مضيفاً بأن الجيش يستخدم الإغاثة الإنسانية كسلاح في الحرب فيمنع وصولها إلى المحتاجين دون أدنى إحساس بالأزمة الإنسانية الخانقة التي يتعرضون لها، وفي نفس الوقت يحاول التكسب من هذه الأزمة واستخدامها في الحرب كسلاح ضد خصمه.
تداعيات الشائعات والأخبار الزائفة:
علق المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيريللو، على ما تم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول حادثة “تسميم” متعمدة، حيث أدان في تغريدة على موقع “X” ما وصفه بحادثة التسميم التي استهدفت مئات السودانيين في قرية الهلالية، مشيرًا إلى ضرورة تحمل الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقيادة قوات الدعم السريع المسؤولية، مستدركاً بالقول (في حال ثبتت صحة التقارير).
من جانبها، ردّت قوات الدعم السريع في بيان لها بتأكيد أن حالات الوفاة في الهلالية ناتجة عن إسهالات مائية ربما بسبب انتشار وباء الكوليرا وليس عن تسميم متعمد، مؤكدة أن عدداً من أفرادها أصيبوا بالوباء المستشري، مشيرة إلى أن التدهور البيئي وغياب المعينات الوقائية والطبية بسبب منع الجيش لقوافل الإغاثة الإنسانية من الوصول لمناطق سيطرتهم، كل هذا ساهم في تفشي الوباء، بحسب ما جاء في البيان، وانتقدت تصريحات المبعوث الأمريكي، معتبرةً إياها استنتاجات متسرعة ومجحفة وغير مستندة إلى الواقع على الأرض.
الكارثة الإنسانية الأكبر في تاريخ السودان الحديث:
يشهد السودان منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023 أزمة إنسانية خانقة بسبب النزاع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي أسفر عن مقتل نحو 20 ألفاً من السكان المدنيين، وفقًا لإحصاءات بريطانية حديثة قدمتها لمجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى أزمة غذاء حادة وصلت حد المجاعة في بعض المناطق بدارفور. وبلغ عدد النازحين واللاجئين السودانيين بالداخل والخارج أكثر من 14 مليون شخص، مما يمثل أكبر موجة نزوح في التاريخ الحديث وفقاً لبيانات منظمة الهجرة الدولية، لتظل الأزمة الإنسانية السودانية محل اهتمام عالمي في ظل استنزاف موارد البلاد وتدهور الخدمات الأساسية.
تعد كارثة الهلالية في ولاية الجزيرة مثالاً مؤلماً على حجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني نتيجة لتدهور الوضع الصحي وتفشي الأوبئة في ظل شح الموارد والمساعدات الإنسانية، وسط اتهامات وجهها مسؤولون دوليون لمفوضية العون الإنساني في بورتسودان، التي تدار أمنياً بواسطة جهاز المخابرات واستخبارات الجيش بعرقلة وتأخير وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
إن تضافر الجهود الدولية من أجل وقف جميع الأعمال القتالية في مناطق المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وسريع إلى كافة أرجاء السودان دون عوائق، هو ما يمكن أن يساهم في تخفيف المعاناة عن كاهل السودانيين، وينهي استخدامهم كوقود في الحرب، واستخدام آلامهم ومعاناتهم في حرب لا علاقة لهم بها، وبالتالي الحفاظ على أرواح آلاف السودانيين من التهديدات المتزايدة للأوبئة والكوارث الصحية المصاحبة للحرب.