رأي

مصر وايران والدور المفقود في السودان

الأمير / حامد يوسف ماهل

لم تهتم الحكومات المصرية التي تعاقبت على الحكم في تغبير اقدامها لدراسة المجتمعات بغرب السودان وبخاصة دارفور وكردفان ، ربما كان الكسل البحثي هو المسيطر علي العلماء والمثقفين المصريين واكتفوا فقط بتقارير باردة وأيضاً كسولة من الذين يعتمدون عليهم بالسودان كوكلاء، بعكس الباحثين الغربيين الذين يبذلون جهوداً مُضنية في الدراسة والبحث والتدقيق كأحد الباحثين من الجامعات الفرنسية الذي رافق تجار الإبل من عرب الرزيقات (الشطية) في رحلات مُضنية من غرب دارفور إلى ليبيا ومصر وخرج بدراسة قدمها لفائدة المؤسسة العلمية التي بعثته ووجد كتابه إهتماماً حتى من القارئ الفرنسي والغريب في الأمر أن ريع الكتاب يصل نصيب منه إلى الرجال الذين ساعدوه في إنجاز البحث بل وقدم لهم دعوة لزيارة باريس تقديراً لهم على المساعدة التي قدموها له، وكذلك الفرنسية التي كتبت عن الخليفة عبدالله ود تور شين وقد أنصفت الرجل وقدمت الجوانب المُضيئة في شخصية هذا الرجل العظيم عكس الصورة القاتمة التي عكسها المؤرخون السودانيون ، وإمتلأت نفوس سُكان المناطق التي تقطن وسط وشمال السودان بالكراهية و الحقد على الخليفة عبدالله جراء الخطاب السالب والقصص الوهمية والحكايات الخُرافية التي تحكي عن القساوة والشر الذي كان جزء من شخصية الخليفة وللأسف هذا ما يُحاك الآن ضد الفريق أول محمد حمدان دقلو ونحن شهود علي العصر.

مصر لم تبذل جهداً ولو قليلاً للتعرف على الشعب السوداني بكل مناطقه المختلفة واكتفت بأصدقائها ببقعة صغيرة من السودان وأهتمت فقط بقيادة القوات المسلحة السودانية التي تسيطر على القرار السياسي بالبلاد وراهنت عليها دون أن تضع في إعتبارها حالة الوعي الجماهيري التراكمي الذي انتظم قطاعات واسعة من المجتمعات السودانية منذ انتفاضة الجنوبيين بقيادة جوزيف لاقو وجون قرنق، وتلتها تململ شعب دارفور في رفضهم لحاكم من شمال السودان على دارفور ونتج عن ذلك اختيار دريج حاكماً لدارفور وتطور الأمر لإعلان التمرد بقيادة عبدالواحد محمد نور وتلى ذلك قيام حركات اميبيه ترفض الظُلم ، وفي أواخر العام 2010م على ما يبدو قادتني الصدفة وحدها للتعرف على معالي سفير دولة إيران بالسودان السيد/ جواد تركبادي وقد أبدى إهتماماً بالغاً للتعرف على دارفور عامة ومناطق ومضارب بوادي الرزيقات وقد طلبت منه زيارة المنطقة وإقامة مسلخ وتصدير اللحوم من شرق دارفور وجنوبها مباشرة إلى العالم فأبدى الرجل موافقتهِ بل رافقني في زيارة تاريخية إلى ولاية جنوب دارفور قبل ان تنشطر عنها شرق دارفور وكان واليها في ذلك الوقت الدكتور/ عبدالحميد موسى كاشا ، كان همي هو إقامة مشروعات كبيرة وصغيرة تستوعب الشباب وتوفر لهم سُبل كسب العيش الكريم وإلهاهم عن القتال فيما بينهم في ظل زيادة وتيرة الحروب القبلية ، تفقد السيد/ السفير مسيد الشيخ موسي شيخ الطريقه التجانية بحي طيبة بمدينة نيالا وأستغلينا مروحية برفقة الوالي إلى الضعين والتقى فيها معالي السفير بأعيان وقيادات المنطقة على رأسهم ناظر قبيلة الرزيقات الراحل المقيم سعيد محمود مادبو ،و قد قامت الدنيا ولم تقعد على هذه الزيارة وأتهمني البعض على أنني أسعى لإدخال المذهب الشيعي لدارفور في الوقت الذي قدمت الدعوة لذات السفير من قبل جهات وشخصيات معتبرة ومؤثرة مثل مستشار الرئيس البشير لشئون التأصيل بروفيسور / أحمد علي الإمام لمنطقة دنقلا لإقامة بعض المشروعات، فضلاً عن قيام إيران بإنشاء أضخم محطة لمياه الشُرب بمحافظة جبل أولياء جنوب الخرطوم و تأبيد الطريق الرابط بين ولاية النيل الابيض وجنوب السودان ناهيك عن التعاون العسكري والثقافي ، وفور عودتي من نيالا اتصل علي السيد / محمد غريب المُلحق الثقافي بالسفارة المصرية يدعوني لمقابلة القنصل المصري بالخرطوم وقد تعرفت إلى السيد غريب إبان قيامنا بمنتدى يتعلق بالتعايش بين مكونات المجتمع الدارفوري امه عدد من المهتمين بالشأن الدارفوري وبحضور القائم بالأعمال الامريكي روبرت فرناندز وعدد من الدبلوماسيين ، المهم قد لبيت دعوة القنصل وكان إهتمامه ينصب في معرفة فحوى زيارة السيد/ تركبادي سفير دولة إيران لدارفور برفقتي ، وقد انتهزت الفرصة ووجهت اللوم للإخوة بمصر لعدم إهتمامهم بهذا الإقليم المترامي الأطراف عامة ومنطقة شرق دارفور خاصة لإستقبالها لأكبر حدث وهو زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكانت زيارة تاريخية استقبل فيها فخامة الرئيس إستقبالاً حاشداً في بوادي( سبدو) جنوب الضعين ليس له مثيل والفرسان على صهوات الجياد يتقدمهم ناظر عموم قبيلة الرزيقات ، و تُقدر أعدادهم بنحو خمسين الف فارس ويبدو أن هذه الزيارة موثقة لدى وزارة الإعلام المصريه ، ولم تجد طريقها للنشر في الإعلام المصري او السوداني وتم التعتيم عليها تماماً و تفاعل القنصل المصري مع حديثي وسحب الدرج وقال لي أن وزير التربية والتعليم المصري متبرع بمدرستين للمنطقة وعليك أن تختار المكان الذي تُقام فيه كخطوة أولى لفتح صفحة جديدة لإصلاح الموقف المصري الرسمي تجاه إقليم دارفور ، وبالرغم أن التبرع لم يرى النور لأسباب تتعلق بالسياسات التي تنتهجها الإنقاذ تجاه المنطقة إلا أنني قد اكبرت موقف القنصل المصري لإبدائه حُسن النية ،
أقول أن المصريين لم يبذلوا جهداً في التعرف على دارفور وأن مصالحهم فيها هي الأكثر على الإطلاق ، وحتى الجنود الذين شاركوا مصر في حروبها كانوا من إقليمي دارفور وكردفان، ولا أحد يكن لهم سوى الإحترام والتقدير ، نحن نريد من مصر أن تقف على مسافة واحدة من أطراف الصراع الدائر في السودان وأن تعمل على نزع فتيل الأزمة وأن تحتوي النزاع كأخ أكبر وتستعيد دورها الرائد في المنطقة العربية والإفريقية، وأن تعمل مع المجتمع الدولي على إيقاف الحرب ومنع الطيران الحربي من إسقاط البراميل المتفجرة على السكان والمستشفيات ومحطات مياه الشرب والكهرباء ، يجب أن يكون الدور المصري بالسودان أكبر بكثير من جميع الدول وأن يشعر السودانيين جميعاً بالإرتياح للتدخل المصري الحميد ، أن الحرب الدائرة بالسودان هي ليست حرب تقليدية بين متمردين وحكومة ولكنه إنقسام كبير في البنية المجتمعية للسودانيين ونتاج غبن تاريخي ، وحتى الحركات المسلحة التي تُقاتل إلى جانب القوات المسلحة علاقتها بالجيش مؤقتة وتنتهي بالقضاء على قوات (حميدتي) إن استطاعوا ، لأن هذه الحركات المسلحة هي التي قادت البشير إلى (لاهاي) مقر المحكمة الجنائية الدولية ، وأن الفريق أول عبدالفتاح البرهان هو احد المطلوبين لديها بإعتباره من مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في دارفور.
دعوتنا لجمهورية مصر العربية ودولة إيران العمل على إنهاء مُعاناة ملايين السودانيبن الذين تفرقوا كلاجئين ونازحين وانهكتهم الأمراض ونال منهم الجوع والفقر.

الأمير / حامد يوسف ماهل

hamidmahil5@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى