رأي

أما آن للدعم السريع إعلان حكومته الموازية!

عبدالرازق أنقابو

 

إن الإجابة علي هذا السؤال الملح – عنوان المقال، مستوحاة ك: قراءة تحليلية واقعية لخطاب الجنرال حميدتي الأخير، وما حوي من رسائل إقرارية وقرارية غير معهودة – مثلت لحد الآن، أقصي ما يمكننا توقعه من الرجل، خاصة موقفه التاريخي تجاه مصر! فالخطاب مجملا – مع اعلان الخطة (ب)، يأتى أولا كرد مباشر لتعنت الحكومة في رفضها للتفاوض، وثانيا – مع عدم الجنوح للسلم، يكون قد وضع الكرة في ملعب الإصلاح [حيث لا مجال للمواقف الضبابية أو حتي الحيادية]، لتخيير اللاعبين جميعهم، بين السعي لوقف الحرب، أو دخولها علانية! ففي كلا الحالتين، وتحسبا لأسوأ الخيارات فيها، فإن الجنرال حميدتي وكخطوة مكملة لخاطبه، هي انه سيضطر – لاحقا، لإعلان حكومة توافقية تتمتع بكل مزايا الحكومات، تضمن “للمهمشين – سلما وحربا” الندية المطلوبة – محليا وإقليميا، ويحققوا بها انفتاحا عالميا، يضمن للسودان موقعا مرموقا محددا، ويعيده بلدا قويا موحدا!*

وبشكل مبدئي، فإن العوامل التي تفرض علي قوات الدعم السريع إعلان حكومة مركزية موازية بالعاصمة الخرطوم أو في غيرها، نرها تزداد يوما بعد يوم – متمثلة، في تلك المؤشرات الأمنية، والمستجدات السياسية، بل والضغوطات الإقليمية والتطلعات المجتمعية، التي تضطر معها قوات الدعم السريع، للإقدام علي هكذا خطوة محتملة! هذه المعطيات وما صحبها من قرارات تضمنها خطاب الجنرال حميدتي الأخير – تكمن أهميتها، في كونها جاءت كرد فعل مباشر علي ذات مواقف حكومة الأمر الواقع ببورتسودان تجاه الحرب منذ يومها الاول، ولغتها العدائية والتصعيدية، لهذا اليوم! لذا فإن تلك المعطيات والقرارات التي تلتها، هي ما نلاحظها تأتي رادعة لمواقف الحكومة واحتوائها، علي النحو الآتي:

أولا: المؤشرات الأمنية وتطورات الموقف الميداني بالإنتقال إلي الخطة (ب)، المصحوبة بإعلان التعبئة لأول مرة من قبل الدعم السريع – ذلك؛ ليس ردا علي عمليات إستجلاب مرتزقة وجهاديين أجانب يقاتلون مع الجيش، إنما للتعجل بخيار الحسم العسكري – وقفا للحرب، وليس إفناءا لطرف من أطرافها، كما يصر طرفها الأول علي ذلك!

ثانيا: المستجدات السياسية المتمثلة في إستداعاء فريق التفاوض بالرجوع للبلاد – ذلك؛ مقابل لاءات البرهان الثلاث؛ لا للسلام، لا للتفاوض ولا لوقف إطلاق النار مع الدعم السريع!

ثالثا: الضغوطات الإجتماعية المتكررة ورؤيتها في توسعة دائرة القتال بنقل الحرب إلي مناطق جديدة – ذلك؛ ليس ردا فقط علي العمليات الجوية التي تستهدف إنتقائيا مناطقا دون غيرها، وانما (رؤية) نقل الحرب لحواضن الطرف الأول، هي ما تعجل بوقف الحرب!

رابعا: منع نقل المحاصيل ورؤوس الماشية إلي داخل مناطق سيطرة الجيش – ذلك؛ مقابل تعطيل ومنع وصول المعونات الإنسانية لاقليمي كردفان ودارفور!

خامسا: حظر تهريب المعادن وجميع المنتجات الزراعية والحيوانية والغابية إلى جمهورية مصر – ذلك؛ ليس ردا علي قيمة العائدات الغذائية المسرطنة المدخلة منها، إنما ردا علي فقدانها للحيادية وإتهامها مباشرة بالتدخل في الحرب لصالح الجيش!

عليه، فإن تطور الأوضاع الأمنية لحد ذلك المستوي الذي وضع قوات الدعم السريع علي محك مجاراة الحكومة في مواقفها التصعيدية، هو ما يؤكد أولا فشل جدية الوسطاء وعلي رأسهم المبعوث الأمريكي توم بيريللو، في أخذ البرهان للجلوس إلي طاولة التفاوض، ويؤكد ثانيا علي إستمرار الحرب وطول امدها! علما بان رؤية الدعم السريع لتأسيس حكومة مركزية موازية، هي عند اصحاب الأجندات والمؤامرات المرسومة بحق السودان تمثل التمهيد لتقسيم السودان، بينما بالنسبة للدعم السريع هي ضرورة مرحلية آنية، يضطر الدعم السريع للقيام بها، بهدف رفع الحظر والحصار المضروب علي مواقع سيطرته، وليس تمهيدا منه لفصل البلاد لدولتين مستقلتين، بأية حال من الأحوال!

من هنا نستخلص، أن تاخر جهود المجتمع الدولي وعدم جديته البائنة في إنهاء الحرب، إلي جانب عدم صرامة المبادرات الاقليمية وتارجحها بين موالاة طرفي الحرب، هي ما نتوقع عندها قيام قوات الدعم السريع، بإتخاذ الخطوة المكملة لقراراته المجارية لمواقف الحكومة التصعيدية والغير مستجيبة ابدا لنداءات وقف الحرب، باعلان هكذا حكومة مرتقبة، ينتظرها بشوق كبير. عشرات الملايين من اهل الهامش! هذه الخطوة المتوقعة، فإن المؤشرات الدالة علي إتخاذها، تتمثل في سياسة العزل والحظر والتضييق التي تمارسها الحكومة في الآتي:

اولا: تعطيل قيادة الجيش لكافة مؤسسات الدولة الخدمية جميعها دون إستثناء لمرافق علاجية او صحية او رعاية اجتماعية واغلاق الوزارات ومكاتب المحليات في اي مواقع سيطرت عليها قوات الدعم السريع!

ثانيا: استمرار العمليات الجوية التي شملت جميع المدن والقري والارياف والبوادي الواقعة بمناطق سيطرة الدعم السريع واستهداف البني التحتية فيها بضربها انتقاما بالبراميل المتفجرة دون رافة ولا رحمة!

ثالثا: عدم سداد رواتب العاملين بالقطاع الحكومي والقيام بفصل كل من واصل عمله بدواوين الدولة، باعتبار انهم تابعين للسلطات المدنية التي أعلنها الدعم السريع، لسد فراغ تعطيل الحياة المقصود بمناطق سيطرته!

رابعا: حرمان ابناء قوميات بعينها من استخراج او تجديد جواز السفر والمستندات الثبوتية الأخري، بحسبان أنهم من حواضن إجتماعية للدعم السريع!

خامسا: علو صوت النبرة العدائية، اسبغت علي الحرب الصفة الوجودية، التي اكدها البرهان بعظمة لسانه ب: (يا إما ننتهي، أو هم ينتهوا)!

سادسا: تحول الحرب عند قيادة الجيش، لصراع إثني يستهدف قوميات بعينها في مناطق سيطرة الجيش الي جانب إستهدافها إنتقاميا بغارات جوية إنتقائية!

سابعا: إغلاق المعابر وعدم اعطاء التأشيرات وعرقلة تمرير اذونات دخول عاملي الإغاثة وتصريحات مرور المساعدات الإنسانيه لإقليمي كردفان ودارفور!

ثامنا: التحكم في حركة موظفي الإغاثة الدوليين وتهديدهم باعلانهم أشخاص غير مرغوب فيهم، وهم بمناطق سيطرة الدعم السريع (إجهاض بعثة الفريق المشترك للوكالات الأممية وهم في طريقهم لتقييم الأوضاع الإنسانيه بولاية جنوب دارفور، وطرد منسق الشؤون الإنسانية المقيم بزالنجي)!

لذا فإن خيار قوات الدعم السريع المتوقع باعلانه قيام حكومة هامش توافقية مدنية موازية، ولو علي غرار حكومة بنغازي بشرقي ليبيا، لا يأتى فقط لمخاطبة هذه التحديات المبينة عاليه، بل إنما يسمح لحكوماته المدنية بالولايات وحكومته المركزية نفسها بمناطق سيطرة قواته، للقيام بعمل التعاقدات والاتفاقيات البين-دولية المطلوبة، لاستعادة سير الحياة بمناطق تشكل (70%) من مساحة البلاد، وتحوي أكثر من (85%) من حجم سكانها!

من كل ذلك، نتوقع قيام قيادة قوات الدعم إعلان حكومة أمر واقع، لا تقطع الطريق أمام تشكيل حكومة مرتقب إعلانها ببورتسودان، يتم التمهيد لها تحت إشراف مصري، يعمل علي الاعتراف بها ضمن منظمة الإيقاد والإتحاد الأفريقي، إنما لان القرارات التي اصدرها القائد العام للدعم السريع، قد اكتسبت قوة وتفاعلا، ليس لانها جاءت من باب “الجزاء من جنس العمل”، إنما لتوقيتها مع دخول الحرب مرحلة الخيارات الصفرية عند تنظيم الإخوان، وهي ما نرها تنسحب علي جميع الأطراف المعنية بهذه القرارات، وفقا للآتي:

اولا: وضع تنظيم الإخوان نفسه بين الإستمرار في الحرب وما فيها من بوادر إلتفاف اقليمية ودولية محتملة عليه، أو الرضوخ للجنوح للسلم كما قالت بذلك القيادية فيه سناء حمد! – ثم؛

ثانيا: وضع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني – هي الأخري، بما فيها تنسيقية تقدم، بين أن تكون مع حكومة الأمر الواقع ببورتسودان او مع الحكومة المركزية الموازية للدعم السريع بالخرطوم! – ثم؛

ثالثا: إدخالها النظام المصري هو الآخر، بين إختيار الوقوف مع الإخوان في الحرب الدائرة في السودان، أو إختياره السعي لتسوية توقف الحرب، لأجل ضمان تدفق واردات البلاد الحيوية إليه!

رابعا: وضع تحالف جنيفا (ALPS Group) بين خيار استخدام المطارات التي أمن عليها – تعجلا لتنفيذ إلتزاماته، او ان يتبني حظر الطيران، أو ان هكذا حكومة موازية، هي ما تسمح أيضا للدعم السريع ليس بتحويل هذه المطارات لقواعد جوية، إنما بإنشاء قواعد جوية مستقلة بمناطقه المترامية، حال إستمرار إلقاء البراميل المتفحرة علي رؤوس المدنيين، كاجراء تحوطي (precautionary measure) يحفظ له حق الدفاع عن المدنيين، ويردع به ميزة هذا التفوق الجوي عند الطرف الأول!

ختاما، مع اننا نلحظ ان موقف المجتمع الدولي بات يزداد اكثر حدة تجاه تنظيم الإخوان كاولوية عنده، إلي جانب مخابراته المغروضة في رؤية تطبيق الانموذج الليبي في السودان، ليس لاسكات صوت البندقية، إنما لمآرب أخري – معلومة بالضرورة، فان الإستفادة من هكذا مواقف – هي الاخري، ما تدفع الدعم السريع ليعلن بتوافق تام بين اهل الهامش جميعهم، عن قيام حكومة فدرالية تكون النواة لإنهاء جميع مشكل السودان! أما من جهة مصر التي بدا أنها تتفق ابدا مع الحكومات العسكرية الانقلابية في السودان، فان الموقف المتطور تجاه تنظيم الإخوان هو ما يضعها في موقف حرج امام المجتمع الدولي، بسبب إحتضانها وتعاملها مع نفس الإخوان الذين اعلنتهم تنظيما إرهابيا عندها! عليه، فإن نفس المجتمع الدولي بمخابراته، هم من سيقفون اولا ويباركون (ولو من تحت التربيزة علي قول اركو مناوي)، هكذا خطوة مرتقبة من قوات الدعم السريع، كامر يعقد المسألة ويسقط دور مصر في أي تسوية محتملة! فهلا يقوم الدعم السريع بإغتنام الفرصة، رغم التحديات التوافقية المقدور علي تجاوزها، وألتحولات الحربية المحتملة المتحسب لاحتوائها عسكريا وسياسيا؟!

عبدالرازق أنقابو

angabo7@hotmail.com

14 إكتوبر 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى