فمتى ما كان حب الناس للوطن كحبهم لأنفسهم، أوأشد حباً منها، فكان ذلك كفيلاً لاستعادة السلام والأمان، وضامناً حقيقياً لاستدامة طمأنينة واستقرار الشعوب، وما مصر “المُؤمَّنة” منا ببعيد في هذا النموذج.
البلدان التي تمزقها الحروبات والصراعات الدموية في العالم الثالث، “كحال السودان آنيا” نتاج عن الكراهية المفرطة الواضحة للعيان في الخطابات التحريضية التي يحركها المتعصبون من الساسة، والمتزايدون، وأنصاف المتعلمين، بل ويشاركهم في هذا، حتى الجهلاء، ضد مجموعات متباينة اجتماعياً، أوإثنياً، أوثقافياً، أوسياسيا.
فهذه الأوعية التي تحمل هذه التناقضات المظهرية، والروحية، والفكرية، لا تمثل سوى مصادر القوة؛ إن كان طابع حب الانتماء إلى الوطن غالباً على مضايق تلكم الانتماءات التي تشكل في مجملها ملامح الشخصية القومية للوطن المعني. بيد أن العصبية، والتزيد، والجهل تعمي الأبصار لمعرفة هذه الحقائق المجردة.
فالأزرق، والأبيض، والأسود والأحمر، والأصفر، والأخضر، والبنفسجي، والبني، وغيرها من أطياف الألوان، لا تعد بدورها سوى مصادر أخرى، لإلهام المبدع الذي يقتدر برؤيته الفنية الفاحصة توليف هذه الألوان وتنسيقها في رسم لوحة جمالية تسحر وتأسر قلوب ناظريها. في حين تحتضن البستان الواحد فاكهة كثيرة تتعدد مسمَّياتها،وأشكالها، وألوانها، ونكهاتها، وأذواقها يستطاب طعمها ولذتها أكثر، عند مزجها في وعاء واحد تأخذ مسمًّى جديداً تعرف”بسلطة فواكه”. وهذا أيضاً نموذجاً أخراً يقربنا من مفهوم التنوع والتنويع في أساليب الحياة العامة، وبالطبع، يجب كذلك مآسسة شخصياتنا المختلفة وتوجهاتنا المتقاطعة في كافة الهياكل الرسمية وغير الرسمية، ليس ضماناً للتماسك المجتمعي وحده، بل أيضاً الاستفادة من روح المبادرات والإبداعات التي يذخر بها الطرف الأخر في عملية بناء وحب الوطن.
فلا ضير من التعبير عن حبنا للوطن بثقافاتنا وخلفياتنا المتعددة من أجل استعادة أمنه المفقود، وعافيته الشاردة، والزود عنه، والتضحية لأجله، والعمل على بنائه وتعميره؛ ولكن الضير يكون بالتعبير عنه بخطب الكراهية، وبتخريب مؤسساته، وتدمير مساكن أهله وقذفهم في ملاجئ الذل والإهانة ليغاثوا من قبل المنظمات الدولية والأممية بعد تحطيم وحرق بيوتهم، وأماكن مصادر أرزاقهم.
وحتى لايتغنى المغنون بكلمات الشعراء، وألحان الملحنين، بعشقهم للوطن وافتتانهم به؛ فلتستبق ذلك، سلوك يمارس فعلياً في التشكيلات المؤسسية، والتنظيمية، منظمات مدنية كان، أم أحزاب سياسية، وغيرها من المؤسسات المكمِّلة للدولة،لكسر الحلقة الشريرة باصطحاب كافة التباينات الاجتماعية، والثقافية، والجغرافية، والعقدية، و”النوعية” في مشروع قومي وطني نطلق عليه “حب الوطن يجمعنا”.
كل الحب والتقدير لمتابعي الصفحة بلا استثناء. نتفق أونختلف في الطرح، ولكن يجب أن تشدنا حبال الوفاق والاتفاق في حب الوطن.. وزمان قيل:”حب الأوطان من الإيمان.”