السودان .. سباق كسب تأييد “العشائر” ينذر بحرب أهلية شاملة
مصدر التقرير : شبكة عاين
بعد عام على الحرب المدمرة، ينتقل صراع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسيطرة على المكونات الأهلية وزعمائها المؤثرين، وكسب ولائهم، في عملية استقطاب واسعة تجري في إقليمي دارفور وكردفان ومناطق أخرى، الأمر الذي أثار المخاوف من ضرب نسيج المجتمعات وتوسعة نطاق الصراع في ظل الفراغ والهشاشة الأمنية التي شهدها البلاد.
وخلال شهر مضى ارتفعت وتيرة الاستقطاب الأهلي بشكل واضح، في أعقاب إعلان قادة أهليين بارزين الولاء للجيش، من بينهم زعيم مجموعة المحاميد الأهلية، ورئيس مجلس الصحوة الثوري موسى هلال، وما أعقب ذلك من جدل واسع وانقسام في هذه العشيرة المحسوبة كإحدى أهم الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع.
وسبق موقف هلال الجديد، إعلان مماثل من رئيس شورى مجموعة الزغاوة الممتدة في غرب السودان وقوفهم إلى جانب الجيش، وكذلك سلطان المساليت سعد بحر الدين الذي اصطف إلى جانب القوات المسلحة بعد أن اتهم قوات الدعم السريع بقتل 15 ألف شخص من أهلية المساليت خلال مجازر في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وهو كحال المجموعات في أنحاء البلاد الأخرى أبدت تحيزها إلى الجيش عبر ما يعرف بالمقاومة الشعبية.
وفي المقابل، كانت قيادات من 7 مكونات أهلية في ولاية جنوب دارفور أعلنت وقوفها مع قوات الدعم السريع، وذلك عقب سيطرته على عاصمة الولاية مدينة نيالا.
حالة الاستقطاب التي تمضي بوتيرة عالية، تسببت في انقسام كبير وسط المكونات، وفي إقليم دارفور تقاسم الجيش وقوات الدعم السريع ولاء الإثنيات ذات الأصول العربية خاصة الرزيقات بعد الموقف الأخير لموسى هلال، وكذا الحال في كردفان، إذ يساند جزء من المسيرية الجيش، ويقاتل معه بضراوة لحماية قاعدته في مدينة بابنوسة، بينما اصطف البعض إلى جانب قوات الدعم السريع، ويقف بعض من مجموعات الحمر إلى جانب القوات المسلحة.
كسر الحياد
ويأتي التحول في موقف موسى هلال ورئيس شورى الزغاوة، بالتزامن مع مساعي عسكرية تقودها قوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة الفاشر وهي المنطقة الوحيدة المتبقية في إقليم دارفور في يد القوات المسلحة، بينما يستعد الجيش وحركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي وفصائل أخرى متحالفة معهم، للدفاع عن عاصمة سلطنة الفور من السقوط.
ونقلت مصادر موثوقة لـ(عاين) أن قوات من مجلس الصحوة الثوري الذي يترأسه موسى هلال انضمت بالفعل إلى الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه في الفاشر، من أجل القتال إلى جانبهم والدفاع عن المدينة، وذلك إنفاذا للموقف الذي أعلنه زعيم المحاميد، وكسر بموجبه حالة حياده حيال الحرب الحالية.
ويرى الباحث في مركز دراسات السلام التابع لجامعة نيالا، د. محمد خليفة أن وقوف مجموعات وقيادات أهلية مع الجيش سيكون خصماً على تقدم قوات الدعم السريع، لا سيما في إقليم دارفور، فهي تعتمد في تشكيلاتها على مكونات أهلية.
وتوقع خليفة خلال مقابلة مع (عاين) أن تدافع المجتمعات بشراسة عن مدنها وحواضنها التقليدية من الانهيار أو سيطرة الدعم السريع عليها، وهذا التنافس بإمكانه أن يقود المنطقة إلى قتال أهلي بين المجموعات الداعمة للجيش، والتي تناصر قوات الدعم السريع”.
ويقول: “التحول في مواقف هذه المجموعات يكون له تأثير في مجرى القتال؛ لأن هذه المجموعات رافد أساسي لطرفي الحرب بالمقاتلين، فكلما امتدت فترة الصراع ستتغير مواقف هذه المكونات الاجتماعية، فقدت اعتمدت أنظمة الحكم في السودان تاريخياً على القبيلة في التعبئة السياسية والعسكرية، لا سيما في غرب السودان؛ نظراً لدور القبيلة الواسع في مجتمعاته”.
وبين موسى هلال وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي مرارات سابقة كانت في سياق سباق الرجلين على زعامة الرزيقات، ووصل الخلاف إلى مواجهات مسلحة بين الطرفين في دامرة مستريحة في العام 2017م، تم خلالها اعتقال هلال وإيداعه السجن، قبل أن يُطْلَق سراحه في العام 2022م بعد صفقة بين الرجلين.
حليف تاريخي
وهلال هو حليف تاريخي لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ومتهم بتأسيس مجموعات الجنجويد المسلحة تحت راية حرس الحدود، والتي مارست أبشع الانتهاكات وجرائم الحرب والتطهير العرقي في دارفور، ويعتقد أنه ضمن قائمة الـ51 شخصاً مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، لكن صعد حميدتي مؤخراً بعد تأسيس قوات الدعم السريع ومساهمتها في كسر شوكة الحركات المسلحة في دارفور.
وإلتزم موسى هلال الصمت طيلة الفترة التي أعقبت الحرب الحالية، لكنه ظهر بشكل مفاجئ في مقطع مصور، وهو يخاطب حشداً من قوات مجلس الصحوة الثوري التي يقودها ورجال من قبيلة المحاميد في منطقة أم سنطك بولاية شمال دارفور، معلناً وقوف قواته مع الجيش ومؤسسات الدولة، ونفى أن يكون له علاقة بقوات الدعم السريع.
وجاء الإعلان المفاجئ من زعيم المحاميد، بعد ما تردد في شهر فبراير الماضي بشأن اتفاق أبرمه مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي يقضي بدفع الأخير تعويضات مالية إلى موسى هلال نظير أن يلتزم الحياد، وهي بمثابة جبر الضرر عن مقتل نجله وتسعة أفراد من قواته وسيارات استولت عليها قوات الدعم السريع خلال مهاجمتها لدامرة مستريحة قبل 6 سنوات.
ولم يمض طويلا بدأت تداعيات عنيفة تصاحب إعلان بعض زعماء العشائر الاصطفاف إلى جانب طرفي الحرب، فعقب حديث رئيس مجلس شورى الزغاوة وقوفهم إلى جانب الجيش، قالت مفوضية العون الإنساني في ولاية شمال دارفور أن قوات الدعم السريع هاجمت في أبريل الماضي ريفي غرب الفاشر ومناطق “لبدو” جنوب شرق المدينة وهي أماكن تمركز منسوبين للزغاوة، وتسبب ذلك في حرق 9 بلدات، ونزوح نحو 41 مدنياً.
ويعتقد عضو في المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية في السودان، تحدث لـ(عاين) وطلب عدم ذكر اسمه، أن ما تشهده مواقف العديد من القبائل في البلاد من تحالفات وتحولات بشأن الحرب الجارية تعكس تضامناً مع الجيش، وسوف يكون لذلك تأثيره في مسار القتال خلال وقت قريب من الآن.
وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور من ثلاثة اتجاهات، في محاولة للسيطرة عليها، وسط تحذيرات محلية ودولية من الهجوم عليها كونها تمثل الملاذ الآخر لسكان الإقليم.
تحول ميداني
من جهته، يرى الخبير العسكري، علي محمد إيدام أن التحول في موقف بعض القبائل في دارفور يفتح الطريق أمام الجيش لإعادة ثقته لدى هذه المكونات الاجتماعية وتشكيل تحالفات أهلية جديدة في مواجهة قوات الدعم السريع التي تعتمد بشكل رئيسي على الدعم القبلي، فالقوات المسلحة فقدت ولايات مهمة في الإقليم تدار تاريخيا بالنظام الأهلي.
ويقول إيدام في مقابلة مع (عاين): “هناك تراجع، وتتزحزح ملحوظاً في مواقف عدد من القبائل المساندة لقوات الدعم السريع في إقليمي دارفور وكردفان، وذلك نتيجة لتطاول أمد الحرب ومضيها نحو المجهول، وما سببته من تأثير اقتصادي على المكونات الاجتماعية، فضلاً عن الانتهاكات الكبيرة التي يرتكبها منسوبو الدعم السريع، والتي قادت لتغيير الولاءات له”.
ويشير إلى أن انحياز موسى هلال للجيش سيكون له عدة مكاسب، من بينها منح القوات المسلحة مساحات شاسعة في الأرض التي تتمركز فيها قبائل المحاميد وتعزيز موقفها العملياتي في إقليم دارفور وتأمين الدعم اللوجستي والبشري، ويقلل حظوظ قوات الدعم السريع في السيطرة على ما تبقى من الإقليمي.
لكن عضو لجنة الطوارئ في ولاية جنوب دارفور محمود صالح، قلل من إعلان قيادات أهلية دعم الجيش السوداني، فهي لا تحظى بتأييد كل منسوبي قبائلهم خاصة شريحة الشباب التي لها تأثير واسع في ميادين القتال، وهي التي تقود مشروع التغيير، حسب وصفه.
ويقول صالح في مقابلة مع (عاين) إن “المجموعات الأهلية والزعماء القبليين الذين أعلنوا وقوفهم إلى جانب الجيش، هم في الأساس كانوا يساندون نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وهم موالون للحركة الإسلامية، لذلك باتوا يتخفون تحت لافتات القبائل من أجل إعادة نظامهم للسلطة في السودان مجدداً”.
وتسيطر قوات الدعم السريع على ولاية جنوب وشرق ووسط وغرب دارفور، بينما لا يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة على عاصمة الإقليم الفاشر التي تسانده في حمايتها حركات مسلحة، ولاحقاً مجلس الصحوة الثوري الذي يقوده موسى هلال الذي انضمت قواته للقتال مع القوات المسلحة.
وخلال عام، فشل كل من طرفي الحرب في تحقيق تقدم عسكري كاسح، رغم استخدام شتى الوسائل القتالية بما في ذلك الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، وبدا وضحا الرهان على الاستقطاب القبلي والحواضن الاجتماعية لتغيير موازين القوة على الأرض، وسط تحذيرات من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف، ويقود لحرب أهلية شاملة.