تحقيقات

تجنيد وإستثمار الأطفال .. عندما ينتهك (أهل النضال) حقوق من خرجوا لأجلهم (الحلقة 2) !!

تحقيق : محمد آدم

نشأ يتيما بعد وفاة والدته التي أنهى والده حياتها ، بعد أن ساءت حالة الوالد النفسية بمنطقة “بندسي” ولاية وسط دارفور، وكان الابن (مجاهد)،بعمر الاربع سنوات ، وقف الطفل وحيدا يبحث بين الحضور ويترقب عودة “أمه” كعادة الأطفال حينما يرى امه بعد ان تغيبت عنه خلسة ، يركض نحوها ضاحكا كمراسم استقبال وتقوم برفعه وضمه إليها بشدة وتطبع على خده “قبلة ” كما تفعل جميع الأمهات عند عودتهن إلى المنازل كنوع من الاعتذار للصغار مضمونها (معليش طولت عليك ) ، الا ان تلك الأم رحلت للأبد من دون عودة ، وهذا المشهد ظل محذوف من حياته بأمر القدر.

صفحة جديدة

رغم الامتحان الذي واجهه الطفل في بداية مشواره الحياتي والحرمان المبكر والخيارات المحدودة التي تركته في منتصف الطريق ( مشتت ومشوش ) ما بين ( أب مريض ) ،”رفع عنه القلم”، وما بين ام متوفية وبعض الأقارب والجيران ، فارسل الله له من يأخذ بيده .
في العام ٢٠٠٩م ، قررت سيدة خمسينية تدعى “حواء محمد سليمان”، السفر ، إلى منطقة “بندسي” ، لعلاج احدى الحالات النفسية التي تجيد التعامل معها وعلاجها … وعند وصولها ووجدت “مجاهد هناك”، و ابت نفسها الا ان تأخذ ذلك الطفل الحزين وتتبنى تربيته وتعليمه ، وتعويضه بعض الحنان المفقود او بمثابة “أمانة”كما متعارف عليها محليا في إقليم دارفور ، وألحت “حواء”، على أقارب الطفل فوافقوا على طلبها وعادت برفقته إلى مدينة “كاس” مقر إقامتها الدائم.
وبعد مرور فترة قصيرة واكب “مجاهد” مع عائلته الجديدة واندمج مع من حوله وترك الماضي خلفه ، وانخرط مع اقرانه في الدراسة ،كان يذهب إليها بشكل يومي ولا يحب أن يتغيب حتى لا تفوته بعض الدروس ،وقالت “حواء محمد سليمان “، “استمر “مجاهد “في مشواره التعليمي بذات الحماس إلى أن وصل للثانوي وكان مقبل على امتحانات الشهادة الثانوية ، تم إقناعه وغيره من الأطفال أن مشروع الحركة التي يتنباه المتهم (أ. م .ع )، هو الخيار والمستقبل ، فظل “مجاهد ” يخرج من منزل ويذهب إلى منزل المتهم بدلا عن المدرسة ،واشارت “حواء محمد سليمان خلال افاداتها” أن المتهم حذر ابنها من أن يفصح عن تفاصيل الرحلة لان والدته ، اي هي (مرة بتاعت سبل) على حد تعبيرها، بمعني اذا تغيب ابنها ليلة من المنزل ستخرج الاسرة للبحث عنه في كل مكان من ارجاء المدينة ، وأضافت ” طلب منه ايضا البقاء في المنزل حتى تشعر بالاطمئنان حتى حلول ساعة الصفر التي صادفت شهر مارس من العام “٢٠٢١م” .

سري للغاية

وفيما يتعلق برحلة المغادرة قالت “حواء” ،انها لمحت ابنها يحمل سماعة اذن جديدة بيضاء اللون ،فباغضته بسؤال “اشتريت سماعة جديدة، اجابها… نعم “، فردت بعفوية “سمح “. .. ولم تضع في الحسبان أن السماعة وزعت لهم لاغراض السفر حتى تكون العملية في غاية السرية، حتى لا يشعر افراد الاسرة بأن هناك شيء يحدث بعيدا عن مرأى أعينهم …
غادر “مجاهد ” المنزل عند الساعة الثالثة صباحا وتوجهت السيارة التي تقلهم صوب “نيالا” ومنها إلى معسكر( كلمة)، للنازحين شرقي مدينة “نيالا “ومنها إلى منطقة “المجلد ” مرورا بمنطقة خرسانة بولاية جنوب كردفان ومنها إلى غابات “جاوا ” بمعسكر “ايدا ” التي يتواجد فيها الأطفال ال(٨٦) الآن ، وقالت “حواء” خلال افادتها، عند شروق الشمس ابلغها ابناءها أن “مجاهد”، لم يقضي تلك الليلة معهم بالمنزل ، رغم ان “التكتك”الذي يقوده موجود في مكانه كأنما شيء لم يكن، فخرجت “حواء”،برفقه ابناءها تبحث عن ابنها المفقود “مجاهد” في كل مكان اعتاد التواجد فيه بشكل يومي ، الا انها لم تجد له اثر بالمدينة حتى .

قوائم ودفعات

وبعد بحث مطول أخبرها ابناءها أن هناك شخص يدعى(أ. م .ع) قام بتسجيلهم ايضا ،ضمن المنضمين للحركة الا انهم اخبروه أن والدتهم سترفض التحاقهم بالخدمة العسكرية في هذه الأعمار ولا تقبل ان يتم نقلهم إلى وجهة غير معلومة … وطبقا “لحواء” لكي يتجاوز المتهم ذلك اقنع مجاهد بما رفضه اشقاءه ، فيةليلة المغادرة اعطى المتهن افراد الرحلة مبلغ “١٠” الف جنيه لكل فرد منهم، وقال لهم عند الوصول ستكون هناك ، مبالغ أخرى في انتظارهم تتعلق بالمشروع “الخدعة”، وبعد كل هذه الإغراءات غادر “مجاهد” غير مبال الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية التي درس لها طيلة العام ،بل اقتنع أن مشروع الحركة هو المستقبل وغادر مع بقية المجموعة البالغ قوامها (٢٤) طفل .

أصبحت قصة إختفاء “مجاهد” ،امر واقع وليس إشاعة لكل من يشكك ، فالأبن تم تجنيده وغادر المدينة ، وقالت “حواء” عندما سمعت ان المتهم هو المسؤول عن سفر وتجنيد الاطفال، ذهبت إليه لتستفسره عن صحة ما سمعته ، فقالت “اخرج قائمة مكتوبة على “دفتر” تحمل اسماء كل المغادرين “دفعات” ، وساءلها عن الاسم الكامل لمجاهد ، واخبرته الاسم كاملاً، وهي تراجع معه الدفتر وجدت اسم ابنها من بين قائمة المغادرين ،وأضافت ” دا اسم الولد”،فقال المتهم طبقا ل”حواء”، مجاهد مشى مع الرجال إلى الحركة”، فاحتجت على ذلك وقالت للمتهم : مجاهد يبلغ من العمر “١٥ عام”فقط ، كيف تسمح له بالمغادرة إلى العسكرية “…. في غضون ذلك طالبت والدة الطفل “التي تبنته”، المتهم أن يعيد إليها طفلها حتى لا يحدث سوء تفاهم ومشاكل بينها وأهله” ببندسي”لانه “امانة”لديها، وقالت حواء انها منحت المتهم “١٠” أيام فقط حتى تستعيد ابنها وببر لها المتهم وقتها ان هناك صعوبة في التواصل مع القائمين على عملية تهريب ونقل الأطفال وقال لها يجب أن تنتظر حتى يصل الأطفال إلى منطقة “خرسانة” الواقعة على مقربة من حدود ولاية جنوب كردفان مع دولة جنوب السودان …واكدت “حواء ” أن المتهم بعد مضي أيام قليلة جاء إليها بالمنزل و عرض عليها صورا للمفقود”يرتدي كاكي كامل ويلقي التحية العسكرية المعروفة “، ولم تكتفي الوالدة بالصور ، حتى قام المتهم بالإتصال على احد المشرفين على ترحيل الأطفال يدعى “شارون”،وسمح لها بالحديث مع مجاهد واستفسرته للتأكد فقط ، سألت المتحدث عن اهله فذكر لها جميع افراد الاسرة ، وهناك تأكدت حواء أن من يتحدث معها هو “مجاهد”،وقالت “عندما قلت له انت مجاهد ولدي ففزع الابن وأضافت ” شعرت من نبرة صوته انه مفزوع ويرتجف طيلة المحادثة القصيرة التي جرت بيننا”، مشيرة إلى انها طلبت التحدث إلى الشخص الموجود مع ابنها “شارون”،وطلبت منه ان يحدد لها مكان الأطفال لكنه رد عليها “انا ذاتي ضيف هنا ما عارف حاجة”واغلق الهاتف ، وقطعت والدة الطفل خلال حديثها ، انها منذ تلك اللحظة لم تسمع شيء عن “مجاهد “حتى كتابة السطور ، بالمقابل جرت محاولات لقيادات أهلية بالمدينة والمعسكرات للتوسط بين مسؤول الحركة واهالي المفقودين لكن كل المساعي والجلسات باءت بالفشل، الأمر الذي دفعها إلى اللجوء إلى القضاء حتى تنصفها المحكمة وتستعيد ابنها المفقود وتقتص له من الضالعين في تلك العملية ، واختتمت “حواء” حديثها بكلمات مؤثرة وقالت :”عيالنا ديل مبيوعين بيع عديل ومن قاموا بتجنيدهم قبضوا الثمن نقدا “.

خاتمة

بعد كل هذه الإغراءات المليارية التي عرضت على الأطفال وخرجوا من المدارس وتركوا كل شيء خلفهم، ولبوا نداء مشروع الحركة الوهمي، مثلما فعل مجاهد الذي كان على مشارف دخول الجامعة ، ويحقق حلمه ويتوج “والدته حواء” التي منحته الأمل من جديد بعيدا عن الأحزان ،ويجعلها فخورة به وراضية عن نفسها أنها اخذت العلامة الكاملة التي سبقت فيها كثيرين ، ولكن ” مشروع التجنيد نسف كل تلك الأحلام وأعاد “مجاهد”، الى مربع البؤس من جديد ، بعد أن وصل لارض الميدان لم يجد هناك مدرسة ولا تعليم إنما تحول ورفاقه من طلاب إلى مجرد عمال يقومون بقطع الاشجار ويحرقونها ليصنعوا منها “الفحم”،بالإضافة إلى استئجارهم لزراعة حقول غيرهم “يقومون بوضع شتول البصل وغيرها”، يأخذ القادة هناك الأجرة كاملة وينال الاطفال نصيبهم من الإرهاق والتعب والخوف من العقوبة في حال خالف أحدهم التوجيهات الصادرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى