“مكانك” لعمرو دياب .. “ألبومين” داخل إصدار واحد!
تقرير : محمد شميس
بعد سيطرة منصات الديجيتال على الساحة الغنائية، وانقراض الـ “سي دي”، واتجاه العالم إلى صدور الأغاني بشكل منفرد، بدلا من صدورها مجمعة في “ألبومات”، اعتقدنا أن ثقافة الألبومات ستغيب دون رجعة، اللهم إلا بعد التجارب المنفردة لبعض الفنانين، يعود إلينا عمرو دياب من جديد ليطلق ألبومه الجديد “مكانك” بعد غيابه لشهور طويلة منذ صدور ألبومه “يا أنا يا لأ ” في ديسمبر 2020.
هذا الإصدار الغنائي الجديد يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك بأن عمرو دياب هو الفنان الأهم على الساحة الغنائية، فمثلما كان يفعل في الماضي وقت صدور “شرائط الكاسيت” وتجمع الجماهير أمام المحالّ للحصول على أغانيه، وبعدها تطور الأمر لتجمع الآلاف من محبيه في ” المولات ” للحصول على السي دي والاحتفال بصدور أغانيه، استطاع عمرو دياب أن ينقل نفس الحالة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يجبر كل محبيه بالحديث عن أحدث أعماله طيلة يوم صدور “مكانك”، حيث كانت تصدر كل أغنيه من الألبوم على رأس كل ساعة، من 12 ظهرا حتى 12 مساء، وما صحابه ذلك من التفاعل ب ” البوستات ” على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حالة ينفرد بها عن كل المتواجدين على الساحة، تؤكد أهميته، وتأثيره علينا كمجتمعات عربية، رغم كل ما نعانيه من حروب وأزمات اقتصادية وسياسية.
معضلة تصنيف ألبوم مكانك
تحدثنا في أكثر من مقال في هذه المساحة، وفي نفس المجلة، عن ثقافة الألبوم، والتي تتلخص في يجب أن يكون العمل متماسكا، ويعبر عن فكرة محددة ومعينة، وأن يكون الفنان صاحب العمل مخلص للـ “Genre” الموسيقية التي يقدمها، ولذلك أغلب الألبومات العربية التي تصدر منذ سنوات هي مجرد تجميع لأغاني “سينجل” غير مترابطة، وتم تجميعها في إصدار واحد، وتقديمها للجمهور، وأصبح الفنانون المتخصصون في تقديم أشكال موسيقية “ثابتة” مثل مغنيين الراب أو الروك، هم الأكثر إخلاصا لمفهوم “الألبوم” بمعناه الصحيح، كما فعلت فرقة الروك ” كايروكي ” في ألبومها الأخير “روما”، أو كما فعل مغني الراب “مروان بابلو” في ألبومه الأخير “آخر قطعة فنية”.
ويأتي هنا السؤال… هل ألبوم “مكانك” لعمرو دياب يخلص لشكل موسيقي محدد؟ الإجابة لا، فهو إصدار موسيقي متنوع، يحمل الكثير من الأشكال الموسيقية مثل الإيقاعات الشرقية واللاتينية والموسيقى الإلكترونية.
ولكن ما ينطبق على عمرو دياب لا ينطبق على غيره!
لأن هذه التوليفة أو الخلطة الموسيقية مبتكرها الرئيسي عمرو دياب نفسه منذ سنوات طويلة، حيث تعودنا منه أن يقدم الأشكال الموسيقية الأكثر انتشارا جماهيريا في العالم والوطن العربي بما يتماشى مع هويته كمغن.
وبشكل أوضح، وأكثر تفصيلا حتى لا نعطي أحكاما مطلقة، غير مفسرة، دون أي حيثيات منطقية، على سبيل المثال، الخلطة التي يتبعها “كل” مغنيين الـ “pop music”، في الوطن العربي والتي تعودنا عليها، بحيث يكون الـ “Head”، عبارة عن أغنية تحمل الموضة الموسيقية العالمية، وتكون الأغنية الثانية عاطفية، حالمة، هادئة، معتمدة أيضا على الموضة الموسيقية للعام، ثم الأغنية الثالثة “مقسوم”، والرابعة أغنية “دراما” بها جرعة مكثفة من الشجن والحزن، هذه الخلطة من ابتكار عمرو دياب، وبالتحديد منذ صدور ألبوم “قمرين”، حتى وإن لم يكن هذا الترتيب بالدقة التي تحدثنا عنها في السطور السابقة، ولكن الأمر تطور معه في الإصدارات التالية، وترتيب ألبومات فئة الـ “pop music” بهذا الشكل أمر يرجع له وحده، وبسبب نجاحاته المستمرة بهذه التوليفة، أصبح يقلد من باقي المغنيين الذين ينتمون إلى نفس الفئة في الوطن العربي.
ولذلك عندما يكرر عمرو دياب هذه التوليفة، فهو يكون مخلصا لابتكاره الذي صنعه بنفسه وتكون كل أغنية يقدمها، مبنية على أساس “موسيقي” قدمه قبل ذلك، ويقوم بتحديثه كل عام بما يتماشى مع تغيرات الذوق العام، ولكن عندما يقوم أي مغن آخر، بفعل الأمر ذاته، يصبح مقلدا لابتكار “الهضبة”، وبالتالي يصبح ما يقدمه لا يعترف به ك “ألبوم” وفقا للتعريفات المتعارف عليها والتي تشترط الترابط الموسيقي وكذلك أن يكون هناك موضوع عام تناقشه الكلمات، مثلما يحدث في الألبومات الأجنبية.
على طريقة الـ”شريط”.. تقسيم ألبوم مكانك إلى وجهين
نظراً للتنوع الموسيقي داخل ألبوم “مكانك”، فسنقوم بتقسيمه إلى وجهين، كما كان يحدث في شرائط الكاسيت قديما، وسنقوم باستعراض سرعات الأغاني وتحديد أشكالها الموسيقية لكي نستكشف مع بعض كيف يصنع ويختار عمرو دياب أغانيه وكيف ينشأ بينهم ترابطاً موسيقياً:
1. وجه أول “شرقي”
ويشمل الأغاني التي تميزت ببناءً موسيقياً شرقياً وهم: “سلامك وصلي”، و”واخدين راحتهم”، و”ياقمر”، و”الكلام ليك”، و”مابتغيبش”، و”المعنويات مرتفعة”.
2. وجه ثاني “أجنبي”
ويشمل الأغاني التي تميزت ببناءً موسيقياً أجنبياً وممزوجاً ببعض اللمحات الموسيقية الشرقية وهم: “بيوحشنا”، و”معرفش حد بالاسم ده”، و”ظبط مودها”، و”مكانك”، و”لوحدنا”، و”ماتتعوضش”.
في الوجه الأول سنجد أن تواجد 6 أغاني معتمدة بشكل رئيسي على الايقاعات الشرقية، قد يعتبره البعض أمر زائد عن حده، ولكن دعونا نعترف بأمر واضح، أن “الهزة” التي احدثتها أغاني المهرجانات، في السوق الغنائي المصري، ليست بالأمر الهين، ومن يتابع عمرو دياب جيداً في سنواته الأخيرة، سيجد أن أغلب أغانيه كانت تعتمد بشكل رئيسي على “المقسوم”، ولا ننسى أن عمرو دياب في الأساس مغنياً جماهيرياً يبحث عن الانتشار، وهذه النوعية من الأغنية هي التي تستخدم في الأفراح والتجمعات العائلية أو الاجتماعية المختلفة.
الوجه الأول “شرقي”
• سلامك وصلي
كلمات محمد القياتي وألحان محمد يحيى وتوزيع أحمد إبراهيم، وسرعة الأغنية “91”.
وهي أغنية عاطفية من الطراز الفريد، حيث استطاع الثنائي المتفاهم محمد القياتي، ومحمد يحيى، صياغة قصة يتحدث فيها الحبيب عن اشتياقه لحبيبته، ونيته في الرجوع إليها من جديد.
ولأن عمرو دياب هو “عراب موسيقى البحر المتوسط”، فكان من الطبيعي أن نجد في التوزيع الموسيقي لأحمد إبراهيم المبني على إيقاع “المقسوم” اعتماداً رئيسياً على الآلات التي تتسيد هذا النوع الموسيقي الذي يتميز به الهضبة، مثل آلة “البزق”، مع “الأكورديون”.
• واخدين راحتهم
كلمات محمد البوغة وألحان محمد يحيى وتوزيع وسام عبد المنعم، وسرعة الأغنية “97”.
وهي واحدة من مفاجآت الألبوم، ومن أهم الأغاني مكتملة الأركان في هذا العمل، بسبب جرأة تنفيذ الفكرة التي تتحدث عن الاستغلال العاطفي، حيث غنى عمرو دياب معبراً بشكل ساخر عن أوجاع الذين يعانون من التطفل.
في كتابه الساحر “الأغاني للأرجباني” الصادر عام 1973 للأستاذ الكبير أحمد رجب، سنجده خصص فصلاً كاملاً عن تشبيهات “القلب”، فبعض الأغاني جعلته كـ”مدينة سكنية”، يعيش بها بعض العشاق، هذا التشبيه اعتمدته أغنية “واخدين راحتهم”، ووصف القلب بالـ”بيت”، وليس التشبيه فقط الذي تم تطابقه مع ما كتبه أحمد رجب في كتابه منذ خمسين، عاما، بل كان هناك تشابهاً أيضاَ في طريقة التعبير الساخرة، التي اعتمدها “البوغة” في كتابة كلماته بشكل يتماشى مع لغة العصر وبوستات السوشيال ميديا والحكم الملصقة على سيارات الميكروباص والتكاتك في المناطق الشعبية.
ولكي يكتمل الكمال، أجاد وسام عبد المنعم في الاعتماد على الايقاعات الصعيدية والبلدية ٤/٤ المعروفة بطابعها الحماسي والراقص، بالإضافة الى استخدام الكيبورد على طريقة الأفراح الشعبية في الفواصل الموسيقية.
ولأن الأغنية درامية ساخرة، فكان من الذكاء غناء عمرو دياب من مقام “الحجاز” الذي يغزي غزارة الشعور بالأسى والشفقة، لكي تخرج لنا الأغنية بكل هذا الكمال الغنائي.
• يا قمر
من كلمات مصطفى حدوتة وألحان عمرو دياب وتوزيع وسام عبد المنعم، وسرعة الأغنية “101”.
وأحدة من أعقد الأغاني في هذا الألبوم على مستوى التنفيذ، فهي أكثر أغنية بها حصيلة كلمات من حيث العدد، كما أن البناء في سرد الأغنية مبني على الزيادة العددية من رقم 1 حتى 12، وكأننا أمام عملية حسابية، ثم بعد الوصول إلى رقم 12، نجد كوبليه إضافي لزيادة تأكيد غزل الحبيب في حبيبته بأنها لا تشبه أي أنثى أخرى رأتها عينه.
اختيار مصطفى حدوتة بالتحديد يعد تكليلاً لنجاحاته المدوية، بل هو كاتب الأغاني الأنجح “من حيث نسب المشاهدة” في الوطن العربي، فهو صانع “بنت الجيران، عود البطل، مسيطرة، مخاصماك، بسكوتاية مقرمشة، وسع وسع”، وغيرهم، وبسبب نجاحاته الكبيرة، أجبر كتاب أغاني الـ”pop”، على تجديد مفرداتهم اللغوية وألفاظهم المستخدمة في صياغة المواضيع، لمجاراة هذا النجاح الهائل، وهذا ما دفع عمرو دياب للاستعانة بصاحب هذه الثورة نفسه بدلاً من محاولات مجاراة ما يقدمه، ولكن بالشكل الذي يتماشى مع هويته الموسيقية، ولذلك قام “الهضبة” بتلحين كلمات “حدوته” بنفسه، رغم صعوبة تنفيذها بسبب طريقة سرد الكلمات التي تختلف بشكل كلي عن “تقسيمة” الأغاني المتعارف عليها التي يقدمها عمرو دياب.
ومن الأمور الجيدة في تنفيذ هذه الأغنية، هو استخدام وسام عبد المنعم لأصوات الجماهير في خلفية الفواصل الموسيقية وكأن عمرو دياب يغني وسط حشود تحاوطه، للتعبير عن الحالة التي صنعت من أجلها الأغنية، والتي تستهدف بشكل رئيسي التجمعات والأفراح وأماكن السهر الليلية.
• الكلام ليك
من كلمات تامر حسين وألحان محمد قماح وتوزيع أسامة الهندي، وسرعة الأغنية “126”
أغنية “الحفلة” هي الأكثر استماعاً في عام 2023، ومن أسباب نجاحها الرئيسية كانت ألحان محمد قماح، ولأن عمرو دياب صاحب مشروع، ويحب أن يستكمل نجاحاته، فكان من الطبيعي والمنطقي أن يبني على نجاح العام الماضي ويستكمل تعاونه مع محمد قماح، ولكن هذه المرة ليس بنفس “إفيهات” الحفلة، ولكن بكلمات عاطفية، واضحة ومباشرة في المعاني بدون تشبيهات واستعارات، بكلمات تامر حسين.
وتوزيع أسامة الهندي على إيقاع “المقسوم” بلمحة موسيقى دول البحر المتوسط، هذه الخلطة الديابية التي لا تتغير مهما اختلف أسماء صناعها، وهي أغنية من أدبيات المشروع الغنائي الديابي، وبمجرد صدورها تجاوب الجمهور معها على منصات التواصل الاجتماعي، ويبدو أنها ستحقق انتشارا جماهيراً خصوصا في حفلات عمرو دياب الجماهيرية الكبرى.
• ما بتغيبش
من كلمات وألحان عزيز الشافعي وتوزيع أحمد إبراهيم، وسرعة الأغنية “129”
واحدة من كلاسيكيات هذا الألبوم وكعادة عزيز الشافعي في الأغاني التي يكتبها ويلحنها يكون موفقاً لأقصى مدى، وأيضا هو لديه القدرة على كتابة وتلحين أغاني “تفصيل” على أساس المشروع الغنائي لكل فنان يتعامل معه.
وفي هذه الأغنية قدم لنا عمرو دياب بنسخة غناء تميل لما كان يطلق عليه في الماضي “الغناء الطربي”، وهذه النوعية من الأغاني قليلة في مشروع الهضبة.
وما يؤكد هذا الاتجاه هو التوزيع الشرقي البحت للأغنية على إيقاع المقسوم، وأيضا استخدام الجملة اللحنية لـ”السينيو” كفواصل موسيقية، وأيضا كـ” “intro، حيث تم استخدام نفس الجملة اللحنية بصولو الأكورديون، ثم تم تكرار نفس الجملة باستخدام باقي الالات الموسيقية المستخدمة في التوزيع الموسيقي، وبدأ عمرو الدياب الغناء أيضا بنفس الجملة اللحنية، لدرجة أننا استمعنا إلى نفس الجملة اللحنية بتكرارها بأصوات مختلفة لمدة دقيقتين ونصف، منذ بداية الأغنية، حتى منتصفها، وهذا التكرار، هو صفة سائدة في الأغاني القديمة التي كان يطلق عليها في الماضي “طربية”.
• المعنويات مرتفعة
من كلمات أيمن بهجت قمر وألحان عزيز الشافعي وتوزيع وسام عبد المنعم وسرعة الأغنية “127”.
وهي تعتبر واحدة من أهم أعمال الكاتب الكبير أيمن بهجت قمر، بعد عدد لا بأس به من الأغاني التي لم يحالفه التوفيق فيها في السنوات الأخيرة خصوصا مع عمرو دياب، حيث استعاد فورمته مرة أخرى وعبر برشاقة كلماته وبحصيلة ألفاظه الساخرة عن شعور التمرد الذي غناه عمرو دياب، فهي أغنية تعبر عن كل شخص يريد أن يبدأ حياة جديدة، ويتعلم من أخطاء الماضي، وكان من الجيد عدم اختزال الكلمات في العلاقة العاطفية حتى تكتسب انتشاراً واسعاً حسب الموقف الذي يمر به كل مستمع بشكل منفصل.
وكعادة عزيز الشافعي، يقوم بصياغة ألحان بلمحة شرقية أصيلة، رغم استخدامه لمقام الحجاز الذي يعتبر جزءاً من الموسيقى الشرقية والغربية أيضاً، ويستخدم كثيراً في أشكال الموسيقية الفلامنكو وهو نفس المقام الذي بنيت عليه “نور العين” لعمرو دياب.
موسيقى الفلامنكو تستخدم 4 مقامات عربية هم: “العجم، والنهاوند، والكرد، والحجاز”، وربما لهذا السبب استخدم الموزع وسام عبد المنعم صولو الجيتار في مقدمة الأغنية، ولكن ما يعيب هذا الاستخدام هو اختفاء الجيتار من الأغنية مرة واحدة بمجرد دخول إيقاعات المقسوم وكأن الأغنية أصبحت عبارة عن جزئين منفصلين غير مترابطين، ولو قمنا بحذف المقدمة فلن تتأثر الأغنية بأي شكل، بل ربما تكون أكثر ترابطاً.
• ملاحظة الوجه الأولى:
سرعات الأغاني تبدأ من 91 وتنتهي في 127، ولذلك فان الترابط بينهم كبيراً، ليس فقط على مستوى التوزيعات المعتمدة على الإيقاعات الشرقية، بل وكذلك السرعات متقاربة جداً، وهذا يؤكد أن صناعة هذه النوعية من الأغاني لم يتم اختيارها أو صناعتها عشوائياً، وتصلح أن تصدر كـ “ألبوماً” موسيقياً شرقياً مترابطاً على مستوى التوزيعات والسرعات أيضا.
الوجه الثاني “أجنبي”
• بيوحشنا
من كلمات تامر حسين، وألحان مدين، وتوزيع أحمد إبراهيم، وسرعة الأغنية “93”
يعتبر عمرو دياب واحداً من أهم الذين قدموا الأشكال الموسيقية لـ”الفلامنكو” بتنوعاتها، من بعد تجربته في ألبوم “ويلوموني” ثم النجاح المدوي في “نور العين”.
“بيوحشنا” تنتمي إلى هذه الشجرة الموسيقية “الفلامنكو” ولكن هذه المرة بطريقة غجرية، خاصة في طريقة غناء عمرو دياب والعرب التي قدمها بصوته منطلقا من مقام الحجاز.
التوزيع الموسيقي لم يكن به أي مزج مع أي شكل موسيقى آخر، بعكس أغلب أغاني هذا الوجه “الأجنبي”، واعتمد التنفيذ على الجيتارات و”السقفات” و”الصاجات الخشبية الإسبانية”.
ومن حيث الموضوع، الفكرة في الأغنية تعبر عن اشتياق الحبيب لمحبوبته، وعلى مستوى الكلمات، فجاءت واضحة ومباشرة في معانيها ولم تستخدم أي استعارات لتعطي ابعاداً أخرى قد يتم تأويلها من قبل الجمهور، ولذلك هذه الأغنية هي الأعلى استماعاً بين كل أغاني الألبوم حتى وقت كتابة هذا المقال، اذ وصلت إلى 4 مليون استماع في وقت قياسي!
• معرفش حد بالاسم ده
من كلمات أيمن بهجت قمر، وألحان وتوزيع أحمد إبراهيم، وسرعة الأغنية “80”.
تعتبر هذه الأغنية هي الأقل سرعة من باقي الأغنيات في الألبوم، وذلك مناسباً للحالة الدرامية التي برع في تنفيذها أيمن بهجت قمر في التعبير عن شعور الحبيب بالندم على اختياره لشريك حياة لم يكن مناسباً له، وربما تلقى هذه الأغنية رواجاً كبيراً بين المصريين على وجه التحديد خصوصا بعد ارتفاع نسب الطلاق لتصل إلى حالة كل 117 ثانية طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2023.
يعتقد الكثيرين أن الأغنية تصنف “Latin pop”، ولكن هذه الأغنية أقرب إلى “R&B Ballads”، أو “Slow jam” مع إضافات البيانو والجيتار.
• ظبط مودها
من كلمات بهاء الدين محمد، وألحان محمد يحيى، وتوزيع عادل حقي، وسرعة الأغنية “111”.
تعتبر هذه الأغنية من أعقد الأغاني في الألبوم، على كل المستويات، بداية من التوزيع الموسيقي الذي يحمل تداخلات كثيرة، فقد يعتقد الكثيرين أن الأغنية “Reggaeton” ولكنها ليست كالأغاني الكلاسيكية لهذا القالب الموسيقي التي اشتهر بها “Daddy Yankee”، والأغنية فعلا بها هذا الشكل الايقاعي، ولكن عليه بعض الإضافات، ولكنها أيضا ليس “Bachaton”، لأن الأغنية لا تحتوي على جيتار كهربائي وكذلك البونجوس والجويرا، ولذلك هي أميل إلى الـ”moombahton”، بسبب الـ”Brass” والتي لعبت بالبرامج الموسيقية ولم تعزف بطريقة حية.
أما على مستوى تنفيذ الأغنية ككلمات وألحان، فكان دائما هناك “حجة محفوظة” يطلقها صناع هذه النوعية من الأغاني الإيقاعية السريعة عندما يقوم أحد بانتقاد تماسك الأغنية من حيث التعبير بالكلمات، ويكون الرد بأن تقطيعات اللحن وسرعاته لا تعطي للكاتب الأريحية بكتابة حالة متماسكة، ولكن كالعادة يؤكد أستاذنا الكبير بهاء الدين محمد على أنه قادراً على الكتابة على أي شيء، بل أنه زاد من رونق اللحن “الكاتشي” الذي صنعه محمد يحيى، وككاتب مخضرم استطاع رغم سرعة الأغنية أن يقدم موضوعاً متماسكاً، وقد فعلها في العديد من المرات مع الكثيرين من الفنانين في الوطن العربي، ومنهم عمرو دياب نفسه في أغنية “لو عشقاني” على سبيل المثال.
• مكانك
من كلمات تامر حسين وألحان عمرو دياب وتوزيع أحمد إبراهيم، وسرعة الأغنية “109”
تعبر الأغنية أيضاً عن حالة اشتياق الحبيب لحبيبه بعد الفراق، كعادة أغلب أعمال تامر حسين في هذا الألبوم، وأجاد في تنفيذها بكلمات واضحة ومباشرة لا تحتمل التأويل.
وعلى مستوى التوزيع الموسيقي فهذه الأغنية من أجمل ما تم تقديمه في هذا الألبوم، فهي تصنف كـ”Latin ballad” مع الـ”pop”، والأهم من كل ذلك، ان الأغنية غنية موسيقيا، ولكن تنفيذ أحمد إبراهيم لم يشعرنا بالإزعاج، رغم تواجد الجيتار مع الأكورديون والوتريات والبيز، وكل منهم له خط موسيقي منفصل، ولكننا استمعنا إليهم في انسيابية وتناغم شديد، ولذلك تستحق هذه الأغنية أن تحمل اسم الألبوم.
• لوحدنا
من كلمات تامر حسين وألحان عمرو دياب وتوزيع أسامة الهندي، وسرعة الأغنية “125”
استمرارا لتواصل عمرو دياب كملحن مع تامر حسين، وهي أسرع أغنية في هذا الوجه “الأجنبي”، وبها كل مواصفات الخلطة الديابية المعروفة عنه في الأغاني الإيقاعية السريعة، من تكرار للكلمات، واستخدام الكلمات التي “تضيء” أجمل مناطق القوة في صوته، عندما يقول “حبيبي”، و”الليلة”، فالهضبة يمتلك عدد هائل من الأغاني التي بنيت بالأساس على هاتين الكلمتين، فهو يفضل في هذه النوعية من الأغاني السريعة، الابتعاد عن الكلمات ثقيلة النطق، لسهولة الحفظ من السماع الأول على تقطيعات الجمل اللحنية القصيرة.
وعلى مستوى التنفيذ الموسيقي، ربما يعتقد البعض أن الأغنية تنتمي إلى الـ”House music”، ولكنها تصنف كـ” Dance-pop”، مع بعض مؤثرات الـ “EDM”، والجيتارات المعزوفة على طريقة الـ”Funk”، مع الإيقاع البلدي باستخدام الطبلة لتحقيق مفهوم المزج الذي يحب أن يصنعه عمرو دياب دائما بدمج الثقافة الشرقية مع الأجنبية، وهي واحدة من الأغاني النموذجية في هذا الألبوم.
• ما تتعوضش بحد
من كلمات تامر حسين وألحان عزيز الشافعي وتوزيع شريف فهمي، وسرعة الأغنية “97”
هي واحدة من أهم الأغاني في هذا الألبوم، مكتملة الأركان ككلمات وألحان وتوزيع.
من حيث الكلمات عبر تامر حسين عن ندم الحبيب وإدراكه لحجم الخسارة التي ارتكبها بعد فقدانه للشريك وفشله في تعويضه رغم كل محاولاته المستمرة بمعرفة شركاء آخرين، ورغم أن عمرو دياب يغني بإحساس الندم والضعف، ولكنه ضعف “ذكوري”، بعيداً عن مفردات “الشحتفة”، و”العويل” كما يفعل الآخرين.
وألحان عزيز الشافعي على مقام الـ”نهاوند” ولذلك ربط الجمهور بين هذه الأغنية وبين “زي ما انتي” التي صنعها نفس الملحن في ألبوم سهران، كما واصل ابداعه في “ما تتعوضش بحد” بصياغة جمل لحنية متميزة تترك بصمة في الأذن من المرة الأولى للسماع.
ومن حيث التنفيذ الموسيقي فهذه الأغنية تنتمي إلى سلسلة أغاني “الفلامنكو” التي تحدثنا عنها في مراجعة أغنية “بيوحشنا”، فهما من نفس القالب الموسيقي، وتقريبا نفس السرعة، لأن “بيوحشنا سرعتها 93″، و”ماتتعوضش بحد سرعتها 97″، فالفرق في السرعات يكاد لا يذكر، والاختلاف بينهما فيما يخص التوزيع الموسيقي هو تواجد الأكورديون الذي يتشارك مع الجيتار أسفل صوت عمرو دياب في “ما تتعوضش بحد”، كمان أن “intro” الأغنية يذكرني بأغاني فريق “Gipsy Kings” الذي يعتبر أفضل من قدم هذه النوعية من الأغاني في العالم.
اللياقة الصوتية لعمرو دياب
رغم تخطي عمرو دياب الثانية والستين من عمره، إلا أنه قدم ألبوماً موسيقياً يؤكد على لياقته الصوتية، فلم نشعر بأي ازعاج من أي نوع في أي أغنية من الأغاني، ولا يزال يؤدي بالشكل الأمثل، وينطق الحروف بطريقة مفهومه وممتازة، ربما يقول البعض أن التقنيات التكنولوجية الحديثة تساهم في هذه الجودة الصوتية التي استمعنا إليها في “مكانك”، ولكن هذه التقنيات موجودة ومتاحة للجميع، ولو قارنا لياقة عمرو دياب الصوتية بزملائه من نفس جيله سنجد أن بلا شك ستميل الكافة إلى “الهضبة”، بل أنه يتفوق على الأجيال الأحدث التي تغني في نفس فئة الـ “pop music” .
مجلة روزاليوسف